أ- إيمان بلقاسم
قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم :21]
ابني… و ابنتي ….
هيا نتأمل معاً الآية الكريمة لنرى المعجزة الحقيقية فيما تحمله من معنى، فهي التي حددت الهدف الأسمى للزواج وهو الفوز بالسكن والمودة والرحمة، وهذه هي فعلاً مقومات الزواج الناجح، لأنه يلّبي الحاجات الأساسية للنفس البشرية، فالإنسان فى مراحله العمرية المختلفة لا يستغنى عن أيٍ منها،
ولما كانت هذه هي الآية الوحيدة فى القرآن التي حملت هذا المعنى المُعْجِز؛ فلا يسعنا كي نحظى بما فيها من عطاء هو حلم كل شاب وفتاة إلا نبحث في السنة المطهرة فقد ورد بهذا الشأن أحاديث عديدة . ابني الحبيب… يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم:- «تُنكَحُ المرأةُ لأربَعٍ : لمالِها ولحَسَبِها وجَمالِها ولدينها، فاظفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَداكَ» الراوي: أبو هريرة (صحيح البخاري)
فالحديث يبين الصفات التى يبحث عنها جملة الناس ثم يقطع بأهم صفة يجب توافرها فى الزوجة؛ ألا وهي أن تكون ذات دين كي تتحقق للشاب السعادة فى الدارين.
ابنتي الحبيبة … يقول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام:- «إذا أتاكم من تَرضَون دِينَه وخُلُقَه فأنكِحوه إن لا تفعلُوه تكن فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ» الراوي: أبو حاتم المزني)
أما قائمة الشروط التي نجدها موضوعة من قِبَل بعض الفتيان والفتيات فمعظمها تكميلية تجميلية وليست وظيفية، فالزواج يجدر به أن يكون بناءً حصيناً قائماً علي أسس راسخة تمنع أي زلزال مهما بلغت قوته النيل منه. واذا أبدلنا شرطاً جوهرياً لنضع مكانه شرطاً جمالياً فإننا دون شك نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
فعندما يشترط الرجل فى المرأة الجمال أو تشترط المرأة فى الرجل المال على حساب الدين انما هو منتهى التفريط فالمال والجمال والجاه وكل هذه الأمور إنما هي مميزات قصيرة الصلاحية، غير مضمونة حتى على امتداد أعمارنا القصيرة؛
أما ما حدده الإسلام فهو لإقامة الدنيا والآخرة معا . فماذا يُجدي الرجل إذا تزوج بامرأة جميلة لكنها عابسة الوجه لا تحمل نظراتها أي شعور بالرضا والتفاؤل كما أن كلماتها أبعد ما تكون عن مشاعر المحبة والتقدير…! وماذا يجدى المرأة ان تتزوج برجل ذى مال وجاه لا يعرف لسانه الى الكلمة العذبة أو اللمسة الحانية طريقا !… وإني لأعرف أختين في الله اجتهدتا بكل كيانهما من أجل إتباع السنة عند تزويج ابنتيهما؛ وذلك بمباركة الجميع وخاصة صاحبتي الشأن . أما الأولى– حسب الترتيب الزمني – فالأبوان يحتلان مكانة مرموقة أدبيا واجتماعيا؛ ويملكان أسباب الحياة الكريمة . أما العروس فكانت في ختام المرحلة الجامعية؛ على درجة محببة من الجمال؛ حافظة لكتاب الله على درجة عالية من الخلق الرفيع. فلما كان أول خاطب ممن يُرتَضَى خلقه ودينه؛ فلم يهتموا بقلة إمكانياته؛ بل يسَّرُّوا له كل الأمور بما بتوافق مع إمكاناته المحدودة. أما الثانية– فقد كان كثير من أصدقاء الأب، وصديقات الأم يتنافسون من أجل مصاهرتهما بمجرد انتهاء ابنتهما من دراستها الجامعية؛ لما يتمتعان به من حسن الخلق إلى جانب مكانتهما الاجتماعية والأدبية. وأما العروس فقد جمعت إلى الحياء حسن الخلق والخِلقَة. فلما تقدم إليهم من ارتضوا خلقه ودينه؛ لم يشترطوا عليه شرطاً واحداً، وتركوا له تحديد كل شيء بما يتوافق مع إمكاناته حتى أن المأذون شكر لوالد العروس قبوله ذلك الصداق المحدود.
وفي المقابل رأيت نموذجاً فذا من الرجال؛ هو شاب كان خريجاً لإحدى الكليات المرموقة منذ سنوات قليلة، من أسرة كريمة، أمه إحدى الداعيات الناجحات، ويتمتع بقدر من الوسامة؛ وقع اختياره عندما قرر الزواج من فتاة لا تسمع تقريباً إلا أقل القليل عبر السَّمَّاعة؛ وبالتالي فإن كلامها غير مفهوم؛ أما حظها من الجمال فلم يكن موفوراً، لكنه تَمَسَّك بها لذكائها وصمودها، فقد تخرجت من إحدى كليات القمة بفضل ما وهبها الله به من إرادة وعزيمة يفتقر إليهما كثير من الأصحاء، ولما عرضتُ على أمه نشر قصته مرفقة بصوره، فأجابت بأنها هي وابنها يرفضان أن يجعلا منه بطلاً على حساب مشاعر زوجته، وكان آخر عهدي بأخبارهما أنهما في انتظار أول مولود لهما.
ابني الحبيب .. تذكر قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن استطاع منكم الباءةَ فلْيتزوَّجْ فإنَّه أغضُّ للبصرِ وأحصَنُ للفَرْجِ ومَن لم يستطِعْ منكم الباءةَ فلْيصُمْ فإنَّه له وجاءٌ» الراوي:- عبدالله بن مسعود. واحذر أن تغلق باب خير يفتحه الله لك بسبب أحلام المراهقة التي تلازم بعض الرجال…! ولاتكن مثل أخينا الذى بلغ عامه الثالث بعد الستين ولا يزال يلاحقنا لنجد له عروسا تليق بمركزه الأدبي والاجتماعي…!
ابنتي الحبيبة تذكري الحديث الذي يقول: «ثلاثٌ لا يُؤَخَّرْنَ : الصلاةُ إذا أتَتْ ، والجنَازَةُ إذا حضَرَتْ ، والأيِّمُ إذا وجَدَتْ كُفُؤًا » الراوي: علي بن أبي طالب..
فإذا كان الشرع قد أنصفك بحق الرفض لمن لا تتقبلين فكوني منصفة لنفسك فلا تسيئي تقدير الأمور فتظلمي نفسك قبل غيرك ولا تكوني مثل صديقتي التي تجاوزت الأربعين بعامين ولم تقنع بواحد ممن تقدموا إليها. ابني ابنتي الأحفاد شىء رائع فلا تضيعا العمر فى البحث عن مواصفات لا توجد إلا فى الجنة أو على شاشات أجهزة الإعلام التى تبيع الزيف و الأوهام.
أذكركما ثانيةً بان المولى الذي جعل السكينة والمودة والرحمة سبباً للوفاق أعلم بما يُصلِح لنا حياتنا: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الملك:14)
واحذرا الدخول في تلك الدائرة المغلقة المعروفة بالتردد؛ فالتردد يسبب التأخير، وضياع الفرص يسبب مزيد من التردد .. وهكذا. وإنما الأمر يتطلب مزيد من التوكل على الله ومن يتوكل على الله فهو حسبه.