الأسيرة 

الأسيرة 

القصة الفائزة بالترتيب الأول بمسابقة القصة القصيرة بمنبر الادب الليبي والعربي والعالمي بتاريخ 6 ديسمبر 2017

بقلم :: دارين عبدالله ::  مصراته

 

بجوار القبر الجديد كانت تسجي جسدها كل ليلة .. بعد أن تطغى عتمة الليل على بيادر الشفق المهيب بقليل تظهر من بعيد وكأنها تسري على بساط سحري  وغمامة ضبابية عجيبة تغلف عينيها .. تجيء منقادة وكأن قيدا  ما يكبل معصميها و عنقها ..

في المقبرة وبرغم العتمة وتشابه القبور تصل إلى بغيتها بكل يسر .. تقف واجمة  للحظات تتأمل القبر قبل أن  تتخذ  موضعا لجسدها و تسجيه بمحاذاته تماما ..و بيد مرتعشة واهنة .. تلقي تلك العباءة التي تلفها فيشع من جسدها نور عجيب ..

لحظات وتبدأ الخنافس بالتداعي .. تتجمع على الجسد المسجى تنهش منه ما بدا لها .. تبدأ بالبكاء الهامس ثم تعلو النهنهة أكثر وأكثر .. يعلو صوتها على صوت البكاء  في حزن ويأس ..  كلي أيتها الخنافس !!!  هلمي ها أنا أشرع لك جسدي وروحي ،  كلي كلي ما بدا لك، هذا  الجسد كله لك !!! تدير رأسها باتجاه القبر تحادثه معاتبة غاضبة ..  هلم لتنظر !!! أرأيت كيف أسلمت نفسي لخشاش الارض تدب عليه بأرجلها المشعرة الغريبة وتغرس فيه أنيابها الشرهة المقيتة ؟؟!! يؤلمك هذا ؟ أرجو أن تتألم و أرجو أن تتآكل من الندم أيضا !!! لم تركتني ورحلت .. لم فعلت هذا بي لماذا لماذا ؟؟!! خشخشة الخنافس المنفرة  تعلو فتشهق وتختنق بعبراتها ويتشرب صوتها برجاء منكسر .. لا حيلة لي أنقذني أرجوك ، خذني إليك فقد سئمت هذي الحياة و كرهت حتى نفسي .. وهذي الخنافس الوضيعة تترك كل الأجساد الأخرى وتتجمع حولي في نهم وشراهة  بمجرد أن تشم رائحتي .. !!!

بت أخشى الليل و أخاف العتمة والوحدة .. كل البشر من حولي لم يملؤوا  مكانك في قلبي لم تركتني ؟؟!! تستمر في بكائها وهي مسجاة حتى تبزغ تباشير الفجر .. هنا فقط تلملم نفسها وتشد خرقها وتسير عائدة من حيث أتت وشعور بالعجز والذل يطفو على محياها .. نهارا .. في غرفتها بين الإغماءة والأخرى تصيح مذعورة وتفيق لتجد أعينا باكية محمرة تنظر إليها

فتصرخ في ضراعة  بكلمات مبهمة لا يفهمون منها شيئا .. الخنافس الخنافس ..  قيدوني لا تتركوني وحيدة الليلة ..

قيدوني .. شيء ما يجرني إلى المقبرة لا تتركوني !!! ليلاً  تسري من جديد ..وتتداعى الخنافس أكثر فأكثر !!!

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :