عتيق حيدر
تُعد مسألة الإقامة في ليبيا إحدى الإشكاليات الإدارية التي تستحق الوقوف عندها بجدية، لما لها من انعكاسات مباشرة على حياة المواطن اليومية وعلى كفاءة مؤسسات الدولة في تقديم خدماتها. فمن الملاحظ أن شريحة واسعة من المواطنين لا تقوم بنقل محل إقامتهم من بلدياتهم الأصلية إلى المدن التي استقروا فيها لعقود من الزمن. ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى عوامل ثقافية واجتماعية، إذ يرتبط الفرد الليبي ارتباطًا وجدانيًا عميقًا بمسقط رأسه، ويعتبره جزءًا أصيلًا من هويته، حتى وإن فرضت ظروف الحياة الابتعاد عنه.
إلا أن هذا الواقع الاجتماعي يضع المؤسسات أمام تحديات إدارية متزايدة، حيث تظل بيانات الإقامة في السجل المدني غير متطابقة مع الإقامة الفعلية للمواطنين، مما يؤدي إلى صعوبات في تقديم الخدمات العامة وتكدس الطلبات في بعض البلديات، في حين تُحرم مدن أخرى من الموارد والإمكانات التي تتناسب مع الكثافة السكانية الحقيقية. كما يضطر المواطن أحيانًا إلى التنقل لمسافات طويلة لإنجاز معاملات كان من الممكن أن تُنجز في مكان إقامته الفعلي لو وُجد نظام إداري أكثر مرونة.
إن معالجة هذه الإشكالية تتطلب التفكير في حلول مؤسسية توازن بين البعد الثقافي للمسألة وبين مقتضيات الإدارة الحديثة. ومن بين المقترحات العملية التي يمكن تبنيها:
1. إرساء قاعدة بيانات وطنية موحدة تربط بين البلديات وتُمكّن من متابعة مكان الإقامة الفعلي للمواطن بشكل ديناميكي.
2. إصدار بطاقة إقامة موازية تُبيّن العنوان الحالي للمواطن وتُعتمد في الحصول على الخدمات داخل نطاق الإقامة الفعلية.
3. إطلاق منصات رقمية لتحديث البيانات تتيح للمواطن تعديل محل إقامته الفعلي بسهولة، بما يضمن دقة البيانات ويُخفف من الأعباء الإدارية.
4. إقرار تشريعات واضحة تنظم العلاقة بين الإقامة الرسمية في السجل المدني والإقامة الفعلية، وتحدد حقوق وواجبات كل طرف بما يضمن عدالة الخدمات.
إن هذه الخطوات، وإن بدت إجرائية في ظاهرها، إلا أنها تمثل ركيزة أساسية في بناء إدارة عصرية تستجيب لاحتياجات المواطن وتُواكب التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد.














