الابتهال والحب في شعر إبراهيم جعفري

الابتهال والحب في شعر إبراهيم جعفري

علي جمعة إسبيق

هو الشاعر السعودي إبراهيم جعفري ، من قوز الجعافرة ، يكتب الشعر بقلب نبي ، والنثر برؤية كاهن ، شاعر الحب والابتهال ، عاشق للأنبياء ولهند بدرجة أقليكتب جعفري الشعر كما خرج في صرخته الأولى ، دون مكياج ، بلا عمليات تجميل ، جمال العربية في خدرها ، دون تكلف يرسم على شفاه القصيدة قبلة موله لطالما استجدى محبوبته وحين تغادره يطوي صفحة الرقة لينهض المارد المتجلد ، بين العتيق الموغل في القدم والجديد الطري اليافع .. نواسي حد الثمالة ، ووكميتي حد الزهد .

 يعرف كيف يوازن بينهما في شعره ، فلا قيس يغلب الكميت ولا الكميت يوغل في التشيع المذموم.. زاهد وعاشق في آن ، واعظ وناصح معا.. تارة بقلب مراهق لا يحسب لشيء حسابا ، وأخرى مجرب متورط في تجاربه حد الشيخوخة .. بين المتناقضات تولد قصائده العجيبة حيث يقول مبتهلا: ‏أ تعلمونَ لمَن حنَّ الجمادُ بكى؟

جذعٌ ينوحُ براهُ الشوقُ..دون فمِ

أحَبّهُ أُحُدٌ فامتازَ

نالَ عُلًا وغيمةٌ ظلّلتْ نورًا..

فداهُ دمي يا أحمد النورِ

 إنّ الشوقَ أرّقني

كما تشوّقتِ البيداءُ للدِّيمِ

صلى عليك شفيعَ الناسِ خالقُنا

ما هبَّتِ الريحُ..عَدَّ الرمل والأجمِ

ويقول في نتفة أخرى ‏

صَلَى عَلَيكَ اللهُ مَا مُزنٌ هَمَى

مَا ارْتدّ طَرْفٌ مَا دُعِي لِصَلاةِ

مَا اهْتَزَّ مَوْجٌ

مَا تَنَفَّسَ كَائِنٌ

مَا لَاحَ بَدْرٌ فِي دُجَى الفَلَوَاتِ

‏صَلَى عَلَيكَ اللهُ مَا مُزنٌ هَمَى

مَا ارْتدّ طَرْفٌ مَا دُعِي لِصَلاةِ

مَا اهْتَزَّ مَوْجٌ مَا تَنَفَّسَ كَائِنٌ

مَا لَاحَ بَدْرٌ فِي دُجَى الفَلَوَاتِ

 ويقول في نتفة أخرى

 ‏صَلَى عَلَيكَ اللهُ مَا مُزنٌ هَمَى

مَا ارْتدّ طَرْفٌ مَا دُعِي لِصَلاةِ

مَا اهْتَزَّ مَوْجٌ مَا تَنَفَّسَ كَائِنٌ

مَا لَاحَ بَدْرٌ فِي دُجَى الفَلَوَاتِ

وفي مقطوعة غيرها

سَرى بـيَ الشوق..

فالأشواق لم تنمِ

وأبحر الحرف في بحرٍ من النغمِ

فهيهِ يا شعر يا كل البيان

ويا– –كل الحروف تعالوا.

يا بديع قمِ يا أكمل الناس

إن الشوق أرّقني

كما تشوقت البيداء للـدِّيَـمِ

صلى عليك إله الكون خالقنا

ما هبّتِ الريح عَدَّ الرمل والأجمِ

يمدح إبراهيم النبي كمتصوف

وصل ذروة الهيام ، دون بخور . ولا بندير ، بعقيدة سليمة لا يخالطها شرك أو تغول ، ليخرج نصا يعانق الروح ، يهمس في أذن المريدين ، بحب المصطفى .. وفي نص آخر ، يستصرخ فيه قلبه ، ينادي به هندا ، الأميرة التي اعتلت قمة قصيده ، معلنا وقف نفسه لها ، دون انتظار لقبولها ، دون اكتراث لرفضها بل يخوض غمار معركة الغيرة الأنثوية ، فتنفض في وجهه القصيدة غيرة من هن فيرد بقوله

‏تغار قصائدي إنْ قلتُ “هندٌ

 فقلت لها: أموتُ..فـ”هندُ” مني

تأنّى الليل بعدكِ بل تمادى

وليلكِ قط ما عرف التأني

توقّفَ بي زمانيَ من سنينٍ

وغاب البدر منذ رحلتِ

عني ظلامٌ كل ما حولي ظلامٌ

و عيني في يديهِ تقولُ دعني !

 رويدًا يا ظلامُ فربّ صبحٍ قريبٍ

ينفضُ الظلماء مني

ليعود مخاطبا هندا ومبررا غيرة القصيدة مدافعا عن معشوقته التي يرى فيها ملامح هند ، محاولا فض اشتباك كالرجل بين امرأتين فيقول

‏لا تـعجبي هـند مـن بـيتي

وقافيتي مـن يـركب الـبحر

لا يـحميه ما ركبا

لا تعجبي هند من صمتي

ومن ألمي يا أجمل الناس

 إني لا أرى عجبا لا تغضبي

من معاناتي وأسئلتي

يا أعذب الناس ماذا يوجب الغضبا

قد كنتِ في داخلي ليلًا تؤرقني

ساعاتهُ ونهارًا قطّ

ما غربا وبين الابتهال والحب .

 يقتحم شاعرنا غمار الشعر متنقلا بين أصنافه ، ليبدع في كل وجهة يكتبها ، فيرثي للموتى حتى تسكن أرواحهم ، ويمدح للحي بحقه دون مبالغة أو تزلف ، إن هجا طمس معالم غريبه ، وإن عشق ملك هندا والقصيدة ، كزوج عادل يجعل الشعر هندا ويحول هندا لقصيدة

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :