الانكشاف الاقتصادي على الخارج

الانكشاف الاقتصادي على الخارج

[2] التبعية التجارية

   تتجلى هشاشة الدولة تجاريًا في العديد من أوجه الضعف الاقتصادي نذكر منها: مدى تركز صادرات وواردات الدولة، ودرجة اعتماد الصادرات على المواد الأولية، وكذلك تدني سعر صرف عملتها الوطنية في مواجهة العملات الأجنبية. وهذه بعض منها:

أولًا- درجة تركز الصادرات والواردات:

  كلما زادت درجة تركز الصادرات والواردات كلما زادت درجة الانكشاف الاقتصادي للدولة على الخارج، ولتركز الصادرات والواردات وجهان: يعنى الأول بالتركز النوعي للصادرات والواردات، ويعنى الثاني بالتركز الجغرافي لها. وفي حين يعد التركز النوعي للصادرات مؤشرًا على زيادة معدل الانكشاف الاقتصادي على الخارج لا يعد التركز النوعي للواردات كذلك باستثناء تركزها في المواد الغذائية. وتعاني البلدان النامية أو الاقتصاديات الضعيفة من تركز صادراتها في المواد الأولية، وهو ما يجعل ميزانياتها عرضة للاختلال عند تدني أسعار تلك المواد، والتي عادة ما تتواطأ الدول الصناعية لتحديد أسقف سعرية لها من جهة، وتعمل على ابتكار مواد أولية صناعية بديلة لها من جهة آخرى. بل وتمارس ضغوطًا سياسية على البلدان المنتجة للمواد الأولية ترمي إلى تجميد أو حتى تخفيض أسعار تلك المواد. بينما يحمّل اقتصاديو الغرب كل أزماتهم الاقتصادية كالتضخم والتباطؤ والركود والتضخم الركودي إلى الارتفاع المزعوم في أسعار المواد الأولية وعلى نحو خاص أسعار النفط. رغم أن المواد الأولية تباع بسعر أدنى من السعر التوازني أو السعر الطبيعي لها، وذلك بفعل التسقيف الغربي لأسعارها. ثم يجهد بعض اقتصاديي الجنوب انفسهم لاستحداث نظريات ترجع تدني أسعار المواد الأولية إلى أسباب اقتصادية تربطها بالاختلاف في مرونات الطلب الدخلية بين السلع الأولية والسلع الصناعية*. ووصلت درجة تركز الصادرات في ليبيا عام 2022م إلى 96%، لمصلحة الصادرات من النفط والغاز، بينما بلغت عام 2024م 93%. كما بلغت نسبة تركز الواردات في المواد الغذائية درجة كبيرة أيضا حيث بلغت نسبة المواد الغذائية إلى إجمالي الواردات في ليبيا عام 2022م حوالي 20.2%، بينما بلغت عام 2024م حوالي 21.8%. وهو ما يشير إلى ارتفاع درجة الانكشاف الاقتصادي على الخارج وفقاً لهذا المعيار. كما تعاني جل البلدان النامية من التركز الجغرافي للصادرات والواردات، وهو ما يزيد من حدة الانكشاف الاقتصادي على الخارج؛ حيث بلغت نسبة التركز الاقتصادي للصادرات الليبية لدول الاتحاد الأوربي (والتي قد لا تزيد عن ثلاث دول من دول المجموعة ) 74% عام 2022م، بينما بلغت 80.5% عام 2024م. كما بلغت نسبة تركز الواردات الليبية من دول الاتحاد الأوربي عام 2022م  43.3% وعام 2024م 36%. وهو ما يجعل الاقتصاد الليبي في مهب الريح عند مجرد فرض عقوبات أوربية على ليبيا أو حتى استبدال واراداتهم من النفط والغاز الليبي من مصادر آخرى.

ثانيًا- درجة اعتماد الصادرات على المواد الأولية:

  يعد اعتماد الصادرات على المواد الأولية أحد أهم العوامل التي تزيد من حدة الانكشاف الاقتصادي على الخارج؛ حيث تتميز أسعار المواد الأولية بالتدني والتذبذب للاسباب التي ذكرناها آنفا: كالتسقيف السعري الذي تفرضه البلدان الصناعية الغربية، ومنافسة المواد الأولية الصناعية للمواد الخام. ولقد بلغت نسبة صادرات النفط والغاز إلى أجمالي الصادرات في ليبيا عام 2022م حوالي 96% بينما بلغت في عام 2024 حوالي 93%. وهو ما يؤكد ارتفاع درجة الانكشاف الاقتصادي الليبي على الخارج وفقاً لهذا المعيار.

ثالثًا –  سعر صرف العملة:

  يعد تدني سعر الصرف أو حتى مجرد تذبذبه، من ضمن العوامل التي تزيد من هشاشة الوضع الاقتصادي للدولة أو من درجة الانكشاف الاقتصادي تجاه الخارج. ولا يوجد سبب اقتصادي وجيه لتدني سعر صرف عملة وطنية ما طالما ثمة صادرات كافية لعدم حدوث عجز بالميران التجاري أو ميزان المدفوعات. غير أن مازق تدني أسعار العملات الوطنية في البلدان النامية متأتي من استشارات اقتصادية غربية وأممية مفخخة، ترمي إلى إبخاس موارد الأمم النامية وسرقة عرق وجهد عمالها. وساهم في تعميق تلك الخديعة تدوير أو “رسكلة” اقتصاديي البلدان النامية لأراء ونظريات الاقتصاديين الغربيين على نحو عام، وفيما يتعلق بإخراج العملات الوطنية للبلدان النامية من التداول الدولي على نحو خاص. ويعد هذا الإقصاء للعملات الوطنية من التداول الدولي هو الطامة الكبرى التي تبخس الانتاج الوطني للبلدان النامية قيمته كما تبخس عرق وجهد مواطنيها في ذات الوقت، وتيسر تمامًا عمليات النهب المنظم لموارد وثروات البلدان النامية في مقابل أوراق نقدية لا تتجاوز قيمتها ثمن الورق والحبر الذي انفق لطباعتها، منحتها السلطات الغربية والنخب المالية الغربية صفة العملات القابلة للتداول في السوق الدولي. وحين يتم إخراج العملة الوطنية من التداول في السوق الدولي تصبح سلعة لا طلب دولي عليها ومن ثم ستعاني من سقوط حر لا قرار له. ونتيجة لهذه الاستجابة لتلك الاستشارات المحلية والدولية يتدنى سعر صرف الدينار الليبي باستمرار؛ حيث يصل في السوق الموازية إلى حوالي تسعة دينارات للدولار الواحد. وتكمن خطورة تدني سعر صرف العملة الوطنية في سهولة شراء ذمم مواطني الدولة المتدنية عملتها، ومن ثم يتيسر إفسادهم ماليًا وإداريًا، كما يسهل تجنيدهم من قبل الاجهزة الأمنية وأجهزة استخبارات الدول الأخرى، الأمر الذي يؤدي بالإضافة إلى الانكشاف الاقتصادي إلى انكشاف الدولة أمنيًا تجاه الخارج. ولا فكاك من هذا المأزق الذي يزيد من حدة الانكشاف الاقتصادي والأمني تجاه الخارج، ويبخس من ثم قيمة مواردنا الاقتصادية والبشرية إلا بإلزام مستوردي النفط والغاز بل ومستوردي كافة السلع الوطنية بالدفع بالدينار الليبي، شريطة أثبات شراء العملة الوطنية من مصرف ليبي معتمد.

*إشارة إلى فرضية بريبيش- سنجر.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :