كتبت :: عائشة إبراهيم
شهدت ليبيا أول إرهاصة لقيام حركة نيابية منذ عام 1877م، حيث شارك أبناء ليبيا في الدورة الأولى من مجلس (المبعوثان) وهو البرلمان العثماني أو المجلس النيابي، أسسه السلطان عبدالحميد الثاني ومقره في إسطنبول، وقد مثل ليبيا في هذه الدورة كل من: مصطفى آغا الحمداني، وسليمان قبودان. واستمر المجلس11 شهرًا من تاريخ أول انعقاد له قبل أن يصدر السلطان عبد الحميد قراراً بتعطيل المجلس واستمر هذا التعطيل زهاء 30 عامًا. وإثر عودة العمل بالدستور فيما يعرف بالمشروطية الثانية في يوليو 1908، عاد النشاط النيابي وأُجريت انتخابات عامة في أنحاء الدولة والأقاليم ومثّل كل نائب 50 ألف فرد من رعايا الدولة الذكور، وحددت مدة العضوية بـ 4 سنوات. ومن بين النواب الليبيين الذين تم اختيارهم عن طرابلس وبنغازي وفزان: عمر باشا، منصور الكيخيا، ويوسف بن شتوان، وسليمان الباروني، ومحمد فرحات الزاوي، ومصطفى بن قدارة وعبدالقادر جامي، واهتم هؤلاء النواب بالقضايا المحلية وشؤون البلاد كالتعليم وأمن الحدود والصحة، وتوقفت هذه التجربة بوقوع الاحتلال الإيطالي لليبيا 1911. وفي طفرة هي الأولى من نوعها على صعيد الشمال الأفريقي تبلورت فكرة تكوين جمهورية في الجزء الغربي من ليبيا، عقب هزيمة دول المحور في الحرب العالمية الأولى، فأُعلن بمدينة مسلاتة في 16 نوفمبر 1918 عن تأسيس الجمهورية الطرابلسية وانتخب للجمهورية مجلس شورى من 23 عضواً يمثلون مدن الغرب الليبي، ومجلس شرعي مكون من أربعة أعضاء، ويمثل الجمهورية الطرابلسية أعضاء مجلسها الرئاسي وهم: سليمان الباروني وعبدالنبي بالخير ورمضان السويحلي وأحمد المريض. ودامت الجمهورية لمدة ستة أشهر ونصف. خلال فترة سلمية من الاحتلال الإيطالي، حاولت إيطاليا وضع قوانين أساسية (دساتير) في برقة وطرابلس، ونشأ عن ذلك قيام مجلس نواب برقة أوائل عام 1920 وأجريت الانتخابات في المدن، أما في المناطق القبلية فقد تم الاختيار دون الانتخاب. ضم المجلس 50 عضواً وعقد جلساته في مدينة بنغازي وترأسه صفي الدين السنوسي ثم أحمد البناني، وضبطت جلساته بلوائح داخلية وجداول أعمال ومحاضر رسمية ، لكن المجلس لم يتمكن من تحقيق شيء على الأرض وخاصة بعد اعتلاء الفاشيست سدة الحكم في العام 1922، وما نتج عن ذلك من تشديد القبضة على الحراك المجتمعي في ليبيا.
عقب تقديم مشروع بيفن سفورزا (القاضي بوضع الأقاليم الليبية الثلاث تحت وصاية دولية)، إلى الأمم المتحدة للتصويت عليه عام 1949، أعلنت برقة استقلالها وبدأت البوادر المبكرة لوضع دستور كأساس لبناء الدولة فتم الإعلان الدستورى لبرقة في أكتوبر1949 وكنتيجة له صدر قانون الانتخابات وشهدت برقة أول انتخابات عامة حرة فى 5 يونيو 1950 لانتخاب برلمان فى برقة وضم ستين عضواً بالانتخاب في المناطق الحضرية وبالتعيين في المناطق القبلية وافتتح المجلس دورته في 1950 . وبعد صدور القرار التاريخي رقم 289 عن هيئة الأمم المتحدة في 21 نوفمبر 1949 الذي قضى بالاعتراف باستقلال ليبيا في موعد أقصاه أول يناير 1952، على أن يشرع الليبيون في وضع دستور لبلادهم، كانت الخطوة الأولى التي أنجزت في هذا السياق هي الاتفاق على تشكيل لجنة الـ 21 باختيار 7 أعضاء من كل إقليم، مهمتها وضع تصور لرؤية وطنية متكاملة للمستقبل ويصاغ بواسطتها دستور البلاد فأقرت اللجنة تشكيل جمعية وطنية تأسيسية من 60 عضواً يمثلون السكان في الأقاليم الثلاثة (طرابلس- برقة- فزان) بواقع 20 عن كل إقليم . وتوجت أعمالها بإصدار الدستور الليبي يوم 7 أكتوبر 1951، ثم وضعت قانون الانتخابات لتشكيل مجلس النواب، حيث نص الدستور على أن الحكم في ليبيا ملكي وراثي، ونظام الدولة نيابي ويتم انتخاب نائب عن كل عشرين ألف نسمة من السكان وفقاً لقانون الانتخاب ومدة عضويته أربع سنوات ما لم يتم حل المجلس بمرسوم ملكي. أجريت الانتخابات الأولى في 19 فبراير 1952 وأعلنت النتائج بانتخاب (35 عضوا) من طرابلس، (15 عضوا) من برقة، و(5 أعضاء) من فزان، ودامت الدورات التشريعية للبرلمان الليبي 4 دورات خلال السنوات 1952م، 1956م، 1960م، 1964م، وقد أعيد إجراء الانتخابات الأخيرة في عام 1965 بعد أن ثبت وقوع تزوير في نتائجها. هذه التجربة الانتخابية العريقة لا تجسد فقط المشهد الديمقراطي في ليبيا ولكنها جاءت بناءً على تشريعات ترسّخ رسميّا حقوق المواطنين الليبيين متضمّنة العديد من القيم الإنسانيّة والحقوقيّة الراسخة والمشتركة في البلدان الديموقراطيّة حينها. ومن أبرزها حق المشاركة السياسية للمرأة، وسبقت ليبَيا بهذه الخطّوة كثير من الدول العربيّة حيث أصدرت الحكومة في 26 أبريل 1963م قانوناً أقره البرلمان اللّـيبيّ يقضي بمنح المرأة اللّـيبيّة حق التصويت في الانتخابات البرلمانية، وكان الدستور قد أقر ومنذ عام 1951 مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في حق المشاركة السياسية. عائشة إبراهيم صحيفة فسانيا- العدد 75 الصادر بتاريخ 25 نوفمبر 2015