بقلم :: عبد الرزاق الداهش
في كل مرة يتكرر المشهد التراجيدي ذاته، ويلدغ البؤساء من نفس البحر أكثر من مرتين .
في برزخ كارثي بين جغرافيا الألم، وجغرافيا الأمل .
وجبات من آلاف الموتى الأفارقة، تتفرق أرواحهم بين قبائل الضمير الدولي المصاب بالسكتة الأخلاقية، ليغرق تيتانكهم المتهالك في سرداب النسيان .
فهل نعلق آلاف النعوش العائمة،ممن تكسرت بهم أحلامهم ،ومجاديفهم بين صمتين، وصمت، على رقبة المجهول ؟
هل نكتفي بتجريم باعة الموت (بالقطاعي)، ونلبسهم وحدهم هذه الجريمة الجنائية، والإنسانية، والأخلاقية، دون أن ننتبه أن هناك تجار للموت بالجملة ؟
الأفارقة الذين يقطعون تذاكر سفر بلا عود إلى الموت، على تصور أن مراكبهم ستأخذهم إلى بر الأحلام، هم ضحية خدعة بصرية أو بصيرية،دفعتهم ليضعوا كل حسن ظنهم في المستودع الأخلاقي للعالم الغربي، رغم أنه ليس بحسن الظن وحده يحيا الإنسان
فالغرب الذي يبكي بدموع من سراب، هو نفسه الذي أرتكب أكبر جريمة ترنسفير في التاريخ، حينما بشحن ثروات هائلة من الجنوب إلى الشمال ،ليراكم الثراء في النصف الشمالي والشقاء في الجنوبي .
عملية النهب الممنهجة سواء بالإكراه ،أو بالمخاتلة خلال الحقبة الكولنيالية، تم تجييرها بمنطق الوصي الشمالي والقاصر الجنوبي ،ولكن الذي انتحل شخصية الوصي كان مجرد لص محترف، يرحل أموالهم لحسابه، بعد أن أخذ بصمة من إاهامهم المبتور ،ليقول لهم الجوع من خلفكم، والبحر من أمامكم .
لم يقف هذا الغرب عند اختلاس الموارد الطبيعية للأفارقة، ليختلس مواردهم البشرية مع السير ببدلته السوداء ونظارته المعتمة خلف جنازاتهم غير الباذخة.
نخبة من خيرة الكفاءات العلمية أنفقت شعوب الجنوب من لحمها على تكوينهم، وتعليمهم ليشكلوا رأسمالها البشري، ليساهموا في صناعة البحبوحة الغربية، بعد أن فتحت أمامها صالات البزنس في المطارات الغربية لتسفيرها للشمال ،وضخها في مراكز البحث العلمي وحقول التقانة ،ومؤسسات إدارة المستقبل، ليبقى الآلاف من العمالة اليدوية لخفر السواحل ،لحشرهم كالمواشي في معسكرات الاعتقال .
لهذا الأفارقة، والذين يتصورون أنهم يرحلون إلى البلاد التي لا يظلم عندها أحد، إنما هم يتوجهون إلى الظالم الأول .
فهل يكف الغرب عن ممارسة دبلوماسية البكاء ،ويستعيد قواه الضميرية ،ويقر بأنه الجلاد وليس الضحية ؟