المستشارة القانونية : فاطمة درباش
يعد هذا الإجراء شكلياً ولكنه جوهري وضمانة أساسية من ضمانات الموظف التي تسبق فرض العقوبات التأديبية بحقه في حال إتيانه مخالفة تستوجب المسألة التأديبية.
تحدد القوانین والأنظمة التأدیبیة واجبات الموظف والتزاماته تجـاه الوظیفـة العامـة باعتبارهـا تكلیفاً وطنیاً وخدمة اجتماعیة یستهدف القائم بها المصـلحة العامـة وخدمـة الجمهـور وفقـاً للقـانون وكذلك تحدد العقوبات والجزاءات التأدیبیة التي تفرض على الموظف في حالـة مخالفتـه لواجباتـه أوخروجه عن قواعد ولوائح العمل، كما أن للرئیس الإداري سلطات تقدیریة واسـعة فــي تحدیــد المخالفــات التــي یرتكبهــا الموظــف ،وتكییــف أفعالــه باعتبارهــا مخالفــات تســتوجب الجزاء التأديبي.
ولما كان التحقيق الإداري إجــراء شــكلياً جــوهرياً یســتهدف الوصــول إلــى الحقــائق یتخــذ بعــد وقــوع
المخالفة التأدیبیة بقصد الكشف عن فاعلهـا وجمـع الأدلـة والمسـتندات والوثـائق التـي تـدین مرتكبهـا، والتحقیق الإداري ٕوإن كان یمثل إجراء تمهیدیاً لكشف وتقصي الحقـائق إلا أن الآثـار المترتبـة علیـه تكون ذات أهمیة كبرى وخصوصاً إذا ما توصلت نتائج التحقیق إلى إدانة موظف بارتكاب مخالفـة تأدیبیة تستوجب العقاب من السلطة الرئاسیة أو من المجلس التأدیبي أو المحكمة التأدیبیة –حسـب
نظام التحقيق السائد في كل دولة– لــذا یجــب عــدم إحالــة الموظــف إلــى التحقیــق ،لمــا یتضــمنه من المساس بسمعة الموظف ،ومكانته الاجتماعیـة ، فضـلاً عـن الآثـار النفسـیة المترتبـة علـيه، إلا بوجود أسباب تستدعي الإحالة للتحقیق، والأصل أن التحقیق الإداري یجري كتابة مـن قبـل
الســلطة المختصــة بــالتحقیق كــأن تكــون لجنــة أو هیئــة تحقیقیــة والاســتثناء علــى ذلــك هــو التحقیــق
الشفوي أو الاستجواب وتنظم كل هذا قواعد قانون العمل ولائحته التنفيذية.
إن التحقیــق الإداري المكتوب
ٕوإن كــان إجــراء شــكلیاً؛ إلا أنــه یعتبــر إجــراء جوهریــاً الغــرض منــه المحافظــة علــى حقــوق الموظــف، ونظــراً لخطــورة النتــائج المترتبــة علــى عملیــة التحقیــق ســواء تمخضت بإدانة الموظف المخالف أو بنفي التهمة عنه وتوجیهها إلى موظف آخر أو
إلى تقصـیر أو تعســف الإدارة ذاتهــا التــي أمــرت بــإجراء التحقیــق یجــب أن لا یكــون مســتنداً إلــى شــبهة أو رغبــة
بالانتقام والكيدية.
نأسف ونحن نجد أغلب المديرين ورؤساء العمل يسرفون في تشكيل لجان التحقيق، دونما مبرر أو بحجج البلاغات وفي حقيقتها كيديات ووشايات دونما دليل ،مقابل هذا الإسراف نجد البعض من المديرين أو رؤساء الإدارات ينفرون من تشكيل اللجان أو يتهاونون وفي هذا أيضاً انتهاك صارخ لحقوق الموظف الإداري، وحجتهم السرية في الإدارة وخصوصية العمل ،وحقيقةً هو قصور يخفونه بهذه الحجج وسوء إدارة ،ومحسوبية أحياناً ولاعتبارات شخصية من جهة اخرى، ينتج عن كل ذلك بأن يتساوى الموظف المقصر مع الموظف الملتزم بعمله.
والأصــل أو القاعدة العامة في القانون الإداري؛ أن التحقیــق الإداري یجــب أن یكــون ســابقاً لفــرض العقوبــة التأدیبیــة ولــیس لاحقــاً لفرضها، حیث أن التحقیق اللاحق لا یصـحح القرار الإداري الصـادر بفـرض العقوبـة التأدیبیـة، ذلـك أن الـــرئیس الإداري الـــذي أصـــدر قـــراره بفـــرض العقوبـــة التأدیبیـــة دون اســـتكمال إجـــراءات التحقیـــق الإداري ،قد أهدر حقوق وضمانات الموظف في الدفاع، كما أن الرئیس الإداري قد أصدر قراراً دون معرفـة نتـائج التحقیـق ،لـذا یكـون القرارالصـادر بفـرض العقوبـة التأدیبیـة معیبـاً یسـتوجب الطعـن فیـه.
والتحقیـق الإداري كـإجراء تـأدیبي یبـدأ بتكلیـف الموظـف المعنـي ٕ،وإخطـاره رسـمیاً بالحضـور أمام سلطة التحقیق، سواء كانت هذه تتمثـل بـالرئیس الإداري ،أو بلجنـة، أو هیئـة تحقیقیـة ،ویكـون ذلـك بتكلیـف الموظـف عـن طریـق رئیسـه الإداري شـفویاً أو تحریریـاً، ویكفـي تحقـق علـم الموظـف المكلـف بالحضور بالتكلیف حتى یعتبر تكلیفه رسمیاً، كأن یوقع الموظف علـى كتـاب التكلیـف بالحضـور أو باستلامه كتاباً أو خطاباً رسمیاً من اللجنة التحقیقیـة؛ ُیطلـب منـه الحضـور فـي زمـان ومكـان معینـین، وینتهـي بإصـدار لجنـة التحقیـق توصـیاتها