الحقوقي : أحمد محمد بيّوض
أصبح التعليم الإلكتروني في صلب المهمة الدولية كاستجابة للتطورات العالمية – لتطوير استراتيجيات التعليم – فالبعض بات يعتبر أن قياس نسبة الأمية في المستقبل القريب ستكون بقدرة الفرد على إجادة استخدام (الحاسب الآلي)، أي إجادتنا للغة التقنية.
إن ” حالة الطوارئ”؛ هي الحالة التي تُدمر فيها – في غضون فترة قصيرة من الزمن – ظروف الحياة المعتادة و مرافق الرعاية و تعليم الأطفال و كل طالبي العلم، و النتيجة تكون تعطل الأعمال، و بالتالي تعثر عجلة التقدم، و حالة الطوارئ قد يكون المتسبب فيها الإنسان في أحيان كثيرة، أو كارثة طبيعية.
إن هذا العالم بات يعيش في عالم يتقلب فيه المناخ و تطورت فيه الأسلحة وسط ازدياد كبير في عدد السكان مقارنة بتضاؤل قدرة الطبيعة على تغطية حاجات هذه الزيادة، التي يكون بعضها غير مدروس خصوصا في ظل غياب برامج التنمية الحقيقية في بعض البلدان كنتيجة للاستعمار، مما يؤدي في الغالب إلى هشاشة البنى الاجتماعية في بعض المناطق المأهولة أو على إثرها تتحول تلك المناطق إلى بقع جغرافية غير مأهولة كنتيجة لكل ذلك.
إن فقدان أجزاء من البنية التحتية التعليمية (المرافق الداعمة لها) قد يحرم الإنسان في حالات الطوارئ من حقوقه الأساسية، و التي بات الحق في التعلم جزءًا لا يتجزأ منها، هذا عطفاً على حاجاته الأساسية الأخرى كالحصول على وجبات الطعام الرئيسية و مياه صالحة للشرب و مسكن يقيه من برد العراء.
تعجز منظومات حقوق الإنسان – في البلدان التي تعاني تأخراً تكنولوجياً و ضعفاً في البنية الاقتصادية – في حالات الكوارث الطبيعية أو الحروب من حماية الفئات الضعيفة، كذوي الاحتياجات الخاصة، أو تلك الفئات الاجتماعية البعيدة عن المركز و مراكز تقديم المساعدة، فالبنية المعرفية بدون رقمنة المؤسسات التربوية و التعليمية ستصعّب المهمة، قد يتحصل المتعلم المتضرر في أوقات الطوارئ على كل سبل الراحة الجسدية، لكنه قد يُحرم من وصول المعلومة أو الدرس، و ربما يخسر عامه الدراسي برمته، من هنا تبرز أهمية التعليم الإلكتروني .
مثلما كانت الكتابة في عهد “سرجون الثاني” أعظم ما توصلت له البشرية في سهل سومر، و كانت بدعة “غوتنبرغ” باكتشافه للمطبعة التي نسخت الصفحة إلى صحف بين أعوام (1440 – 1450م) أعظم ما توصل له الألمان، فإن بلوغ الإنسان لمرحلة إنشاء شبكة معلومات دولية (الإنترنت) يعد أهم إنجاز للبشرية في هذا العصر، عندما ألغيت على إثر هذا الاكتشاف، المسافات و اختصرنا من خلاله الزمن و تحول العالم لقرية صغيرة، لكن الطالب العربي مازال يقف حائراً، في مرحلة يمر فيها الإقليم بحالة من عدم الاستقرار، متسائلاً عن موقعه – الفعلي – في منظومة “بنية الثورة العلمية” هذه، كما أسماها “توماس كون”
إن آليات التعلم الإلكتروني، ليست خيارا؛ أو ميزة تقدمها مؤسسة لمنافسة مؤسسة أخرى و حسب، بل يجب أن تكون شرطاً من شروط استمرار أي مؤسسة تقدم خدمات تعليمية، إنه أصبح التزاماً أساسياً يحقق معايير جودة التعليم الحديثة، فالتعليم و منصاته الرقمية، في أوقات الطوارئ، باتت أمراً ضرورياً لبناء السلام و ضمان الاستمرارية، إنه آلية توصل المعلومات للمتعلم بوسائل حديثة من بوابة افتراضية، غرضها الأساسي الاستجابة للعوائق الجغرافية و كل الفوارق الثقافية .
عطفاً عن الفرص التي يمنحها التعليم الإلكتروني للمتعلمين حول العالم فإنه يقدم فرصة من نوع آخر للخريجين المؤهلين للتدريس و التدريب من حملة الشهادات العليا، الباحثين عن العمل، كذلك يعطي التعلم الإلكتروني الفرصة لأولئك الذين يعملون باليومية، مجبرين في أحيان كثيرة انسجاماً مع مستواهم المعيشي، حيث حرمهم هذا في نمط حياتهم من التعليم العالي، لكن في الفضاء الإلكتروني، فالمتعلم قد يتحصل على المعلومة أو الدرس أو المحاضرة، و هو في مكان عمله، بمبدأ “اكسب و تعلم في نفس الوقت”
إنها آلية تدعم في جانبها الأخلاقي حقوق الإنسان، و خطوة قدمتها التكنولوجيا للإنسان، و بالأخص تلك الفئات المحرومة من التعليم أو التي تعاني صعوبةً في الحصول على تعليم ذي جودة عالية، آليةٌ ترفع من المستوى الثقافي و الاقتصادي و الاجتماعي، كما لا يفوتنا الثناء على الجهود التي بذلها المركز الوطني لضمان الجودة و اعتماد المؤسسات التعليمية و التدريبية ” الليبي” و الذي تأسس سنة (2006م) في سبيل التوصل إلى منظومة تربوية و تعليمية متكاملة، و ذلك باستحداثه “دليلاً” لإرشاد المؤسسات التربوية و التعليمية بغية الرفع من جودة عملهم، حيث أدرجت معياراً من سبعة معايير، بعنوان : (التعليم الإلكتروني و التعلم عن بعد)، في إشارة لأهمية مواكبة التحولات المتسارعة في عصرنا هذا و على كل المستويات.