سلطات الإدارة بين المنفعة العامة وحقوق الأفراد

سلطات الإدارة بين المنفعة العامة وحقوق الأفراد

  • المستشارة القانونية : فاطمة درباش

تعتبر المهمة الأساسية للدولة هي تحقيق المصلحة العامة، وهي وظيفة اجتماعية كبرى، لا يتم بلوغها إلا في نطاق دولة الحق، والقانون والمؤسسات، فإذا كان دور الدولة قديما يتمثل في ضمان الاستقرار والأمن داخل المجتمع، فإنها اليوم وعلى عكس ذلك،وتقديراً لجسامة المهام الملقاة على عاتقها، تحتاج إلى مجموعة من الوسائل تستعين بها للقيام بهذه المسؤولية، على أحسن وجه، وهذه الوسائل قد تكون ذات طابع مؤسساتي، وقد تكون ذات طابع بشري، وقدتكون ذات طابع قانوني تمكنهامن القيام ببعض التصرفات والأعمال تتمثل في القرارات، والعقود الإدارية.

فالسلطة الإدارية هي ذلك الحق الذي يعطيه المنصب ذاته في التصرف الإداري.

 السلطة الإدارية : هي ذلك العنصر من المسؤولية الإدارية الذي يمثل قوة التنفيذ (أي : إصدار الأوامر).

والسلطة الإدارية هي القوة التي تعطى للموظف لإصدار الأوامر إلى مرؤوسيه وتوجيههم إلى أداء المطلوب منهم. فهناك فرق بين السلطة والمسؤولية، فالمسؤولية هي أمر واجب الأداء ويرتهن بها النجاح في القيادة، بينما تعد السلطة أداة مساهمة يفضل استخدامها باعتدال للقيام بالعمل.

وتصدر أعمال السلطة الإدارية إما بشكل انفرادي أو عن طريق الاشتراك مع إدارة أخرى , ويتمثل النوع الأول في القرارات الإدارية , في حين يتجسد النوع الثاني في العقود الإدارية، ويعد القرار الإداري وسيلة الإدارة المفضلة للقيام بوظيفتها لما يحققه من سرعة وفعالية العمل الإداري، ويعرف القرار الإداري بأنه عمل قانوني يصدر عن الإدارة المنفردة للإدارة ولا يتوقف نفاذه على موافقة من ينطبق عليهم. غير أنه يظل قابلا للطعن فيه باللجوء إلى القضاء الإداري ،والعقود الإدارية أنواع نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر عقود الامتياز وعقود التدبير المفوض وعقود الأشغال العامة ،وتكون العقود الإدارية محددة بالقانون وتعتبر عقودا إدارية بقوة القانون كون موضوعها يتعلق بمرفق عمومي.

إذاً يعتبر القرار الإداري صورة من صور امتيازات السلطة العامة الممنوحة للإدارة فيتمتع بقرينة السلامة والمشروعية لحين إثبات العكس، وتملك الإدارة أثناء تنفيذها لقراراتها امتيازات منحها إياها المشرع لا نظير لها في القانون الخاص، كحق اللجوء إلى التنفيذ الجبري لغرض تحقيق المصلحة العامة. وللإدارة أيضا امتياز آخر وهو وضع حد لفعالية القرار الإداري سواء كان تنظيميا أو فرديا، إما بإلغائه أو سحبه إداريا، إضافة إلى امتياز سلطة توقيع الجزاءات الإدارية العامة لتحقيق أهدافها، في حين أن الأصل العام السلطة القضائية هي التي يخول لها الدستور والقانون هذا الامتياز.

تتمتع السلطة الإدارية بعدد من الامتيازات التي منحها لها المشرع , وذلك لتمكينها من تحقيق هدفها وهو الصالح العام أو المنفعة العامة ، فتتمتع السلطة الإدارية حين تصدر قرارات إدارية بامتياز الأولوية المتمثل في افتراض الشرعية أي احترامها ومطابقتها للقانون ،أي أن تنفيذها بشكل مباشر بعد إصدارها من طرف السلطات الإدارية ، والمنتفعين من المرافق العامة

ملزمون باحترام شرعيته، كما أنه لايكفي أن تكون قرارات  الإدارة ملائمة لتحقيق الفاعلية المطلوبة، بل يجب بأن يرافقها امتياز آخر وهو امتياز التنفيذ المباشر لقراراتها نظراً لتمتعها بقرينة السلامة المشروعية،  وهذا يعني أنه يستوجب على المخاطبين بها تنفيذها والامتثال إلى ما جاءت به، فإذا نفذوه نكون أمام تنفيذ اختياري، وهذا هو الأصل عندما يسود الوعي المدني في المجتمع، إلا أنه في الغالب، نجد أن القرارات الإدارية تلقي على عاتق المخاطبين به التزامات، مما يجعلهم يتهربون  من واجب الطاعة، وأمام هذا الوضع منحها المشرع امتيازاً يعتبر الأخطر على الإطلاق، وهو تنفيذ قراراتها بنفسها وجبراً على الأفراد دون اللجوء إلى القضاء.ولها أيضا أن توقع عليهم عقوبات إدارية في حالة مخالفتهم لقراراتها وهي الوسيلة الأنجح من سابقتها والأقل خطرا ًعلى حقوق وحريات الأفراد

وهذه الامتيازات لاتشكل خطراً بذاتها وإنما ترجع خطورتها إلى إساءة استعمالها خصوصا إذا كانت الإدارة تمارسها في ظل سلطة تقديرية مطلقة وبدون قيود

وضوابط قانونية أو رقابة قضائية .

 إن الإدارة باعتبارها الدعامة التي ترتكز عليها الدولة يجب عليها احترام كل القيود المفروضة عليها، خاصة مبدأ المشروعية بمفهومه الواسع وذلك عند ممارستها  لامتيازاتها، ويكون ذلك الاحترام  نابعاً من الإدارة ذاتها دون أن تنتظر أن يردها القضاء لجادة الصواب،ذلك ما يفرضه مبدأ التعامل بحسن نية مع الأفراد ،الأمر الذي يعيد تشييد جسور ثقة الأفراد في الإدارة، مما يدعوهم لمؤازرتها في تحقيق أهدافها، والذي لايحقق فاعليته تعمدها في إهدار حقوقهم وحرياتهم،كذلك تمكين القاضي الإداري من مراقبة مدى الملاءمة في حدود ما يسمح به القانون،دون التدخل بشكل مباشر في سلطة الإدارة والمساس بمبدأ الفصل بين السلطات،كذلك لابد من التخفيف من دور الإدارة عن طريق الحد من سلطتها التقديرية، خاصة في مجال تقدير المنفعة العمومية لنزع الملكية الخاصة وتقدير العقوبات الإدارية الذي يجعلها خصما وحكما في نفس الوقت وتحويل الأمر إلى جهة محايدة ومستقلة وهذا لتحقيق كل القيم المثالية من عدالة ومساواة وديمقراطية وحرية.

أخيراً يجب تنظيم المشرع لمجالات الإدارة التقديرية، واختصاصاتها المقيدة، إضافة إلى وجوب تحديده لمفهوم المنفعة العامة التي تبرر كل تدخلات الإدارة.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :