عبدالفتاح أبو جراد
اعتدنا في الآونة الأخيرة سماع أخبار وتقارير دولية تندد بخطر التغير المناخي وتداعياته وعلاقته المرتبطة بحقوق الإنسان والأمن الغذائي، لكن محلياً لا نجد ذاك الصدى يتردد، فالتغير المناخي ليس ضمن قائمة أولويات الليبيين لأسباب قد تكون سياسية واقتصادية واجتماعية للظروف الراهنة التي تمر بها البلاد، مما أسفر عن عرقلة عجلة التنمية المستدامة مع أن ليبيا كانت ضمن الدول التي وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 2015م.
وصدقت على اتفاق باريس للمناخ في عام 2021م، إلا أنه بحسب ما ذكر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا، لم يتم تقديم السياسات أو الخطط ولا التقارير المطلوبة، من أجل المساهمة الوطنية المحددة أو خطط التكيف أو الاتصالات الوطنية، ليبيا ليست بِمَنْأى عما يحدث من تغيرات مناخية في العالم، ففي السنوات القليلة الماضية، سجلت ليبيا ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة، وحالات جفافٍ أغلبها تركز في جنوبها، مع ارتفاع لمستوى سطح البحر، مما يهدد بشكل مباشر الأراضي الزراعية القليلة بدورها، والمياه العذبة، ونسبة ملوحة الأرض، إذ بلغت نسبة الأراضي الصحراوية في ليبيا 95% حسب تقرير نشره موقع البنك الدولي عبر برنامج البيئة والتغير المناخي ضمن برنامج بعثة الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا، وبالرجوع لتقارير عن تمدد الصحراء والتهامها أراضٍ زراعية مما يهدد بشكلٍ مباشر الأمن الغذائي للمواطنين وما يترتب عليه من تغيرات بيئية.
تأثيراتٌ مدمرة على الشعب الليبي، وآثار وخيمة تداعياتها تطال حقوق الإنسان والأمن الغذائي للمواطنين، إذ أن ليبيا وقعت مع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948م.
والذي تضمن في مادته الـ 25 في البند الأول ” أن لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته، وخاصة على صعيد المأكل والملبس والمسكن والعناية الطبية وصعيد الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق فيما يأمن به الغوائل في حالات البطالة أو المرض أو العجز أو الترمل أو الشيخوخة أو غير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته والتي تفقده أسباب عيشه”، إذ نرى ما تتسبب به ارتفاع درجات الحرارة وحالات الجفاف من حالات الهجرة الفردية والجماعية من جنوب البلاد إلى شمالها حيث يتركز أكثر من 70% من سكان ليبيا على امتداد شاطئ البحر المتوسط، وقد تؤثر هذه الهجرات مع التغيرات المتراكمة على حق المواطن في الغذاء وحتى في فرص الحصول عليه واستدراك المخاطر التي تهدد البيئة، حيث لا توجد برامج واضحة لتأهيل وزراعة واستغلال المساحات المفتوحة أو الوصول إلى مصادر الغذاء الأخرى، بالإضافة إلى ذلك احتمالية نضوب مياه الآبار الجوفية التي يتغذى منها النهر الصناعي فهي موارد غير متجددةٍ يستهلكها الليبيون بشكل مباشر إذ أنها تمثل النسبة الكبرى للمياه العذبة في ليبيا، كما أن آثار تغير المناخ محسوسة من حيث الأمن البشري، إذ لم تشهد البلاد أي برامج من شأنها استغلال مياه الأمطار ولا تنمية البنية التحتية وخدمات الصرف الصحي نتيجة لزيادة الصراعات السياسية، من المؤسف أن لا تتخذ الحكومات المتعاقبة أي إجراءٍ للحد من تأثيرات تغير المناخ والحفاظ على البيئة، واستمرار التجاهل والتعتيم على قضايا المناخ سيكون رجعه سلبياً على البلاد من زيادة التصحر والفيضانات وتهديد الأرواح والمجاعات وحالات الهجرة وتدني مستويات الخدمة العامة وغيرها من المخاطر التي ستزيد من معاناة الشعب الليبي، ستستمر حقوق الإنسان في المعاناة إذا لم نقف وقفة جادة لوضع مبادرات ملموسة التغيير.
من المهم أيضًا أن يتخذ المجتمع الدولي موقفًا حازماً تجاه التوصيات ودعم برامج التنمية المستدامة وإصلاح البيئة، وعلى أصحاب القرار الجدية للوصول للحلول المناسبة، وعلى منظمات المجتمع المدني ومكونات المجتمع الليبي الدفع بقوة لتجنب عواقب هذه التغيرات ودعم المبادرات الإصلاحية والوقائية فمؤشر التلوث والتغير المناخي يهدد حياة ملايين البشر في ليبيا وخارجها.