الجار

الجار

اعداد  خديجة حسن

أخي المسلم: لقد أوصى الإسلام بالجار، وأعلى من قدره، حرمته، وحفظ حقوقه، ولقد بلغ من عظم حق الجار في الإسلام أن قرن الله حق الجار بعبادته وتوحيده تبارك وتعالى وبالإحسان إلى الوالدين واليتامى وذوي الأرحام.

فقال عز من قائل سبحانه في آية الحقوق والعشرة: }وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ…{ [النساء: 36]. وقوله:}وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى{ هو الذي بينك وبينه قرابة وقيل: هو الذي قرب جواره، وقيل المسلم، وقيل الزوجة، وقد كانت العرب تسمى الزوجة جارة …

 وقوله تعالى: }وَالْجَارِ الْجُنُبِ{ قيل: هو الذي يعد عرفًا جارًا وبينك وبين منزله فسحة، وقيل هو الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقيل الزوجة وقيل غير المسلم.

أما السنة النبوية فقد استفاقت نصوصها في بيان رعاية حقوق الجار، والوصاية به وصيانة عرضه، والحفاظ على شرفه، وستر عورته، وسد خلته، وغض البصر عن محارمه، والبعد عن ما يريبه ويسيء إليه ويؤذيه.

ومن أعظم النصوص الواردة في هذا الشأن ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة وابن عمر y أن النبي r قال: «ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه» أي ظننت أنه سيبلغني عن الله الأمر بتوريث الجار حيث إن وصية جبريل u بالجار ليست من تلقاء نفسه لكنها من عند الله سبحانه وتعالى. والمتأمل كلمة «سيورثه» يجد أنها كلمة جامعة بالغة فإن الوصاية بالجار تشمل حمايته والإحسان إليه والحفاظ عليه وكف الشر والأذى عنه وإسداء الخير إليه وتعاهده بالسؤال عنه وتقديم المعروف له، وتدل أيضًا هذه الكلمة على أن الوصاية بالجار كانت على جانب عظيم من العناية الحرص من الشارع وكذلك الحث على رعاية حقوقه والقيام بأدائها والحفاظ عليها.

ومن هنا يتبين أن للجار حق عظيم ومكانة عالية وحرمة مصونة فحقوق الجار على وجه التفصيل كثيرة جدًا لا يتسع المقام لسردها ولكنها في الجملة ترجع أصولها إلى أربعة حقوق، وهي:

1- الإحسان إلى الجار: إن من شيم الكرام الإحسان في كل شيء ومنها الإحسان إلى الجار، روى المروزي عن الحسن رحمه الله قال: «ليس حسن الجوار كف الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى». ـ.

2- تحمل أذى الجار:

أخي المسلم: أما الحق الثاني لجارك هو أن تتحمل أذى الجار، وهذه الفقرة مرتبطة بسابقتها ومتممة لها، وذلك بأن يفضي عن هفواته، ويتلقى بالصفح كثيرًا من زلاته وإساءاته، ولاسيما إساءة صدرت منه من غير قصد، أو إساءة ندم عليها وجاء معتذرًا منها، فاحتمال أذى الجار وترك مقابلته بالمثل من أرفع الأخلاق وأعلى الشيم.

قال الحسن البصري: ليس حسن الجوار كف الأذى عن الجار، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى من الجار

3- حفظ الجار وحمايته.

إن من حقوق الجار والوصية به حمايته وحفظه والذود عنه والدفاع عن حياته، ومما ينبه لشرف همته الرجل نهوضه لإنقاذ جاره من بلاء ينال منه، سواء كان ذلك في عرضه، أو بدنه، أو ماله ونحو ذلك.

ولقد كانت حماية الجار من أشهر مفاخر العرب التي ملأت شعرهم قال عنترة يمتدح نفسه بأنه يحمي حمى الجار ويتحرى الضيف:

وإني لأحمي الجار من كل ذلة…. وأفرح بالضيف المقيم وأبهج

4- كف الأذى عن الجار:

مما تقدم تبين لنا أن للجار مكانه عالية وحرمة مصونة وجانب لا يهضم ومن أجل ذلك جاء الزجر الأكيد والتحذير الشديد في حق من يؤذي جاره فالأذى بغير حق محرم، وأذيه الجار أشد تحريمًا، جاء في صحيح البخاري عن أبي شريح العدوي t عن النبي r قال: «والله لا يؤمن والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من لا يأمن جاره بوائقه» وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة t عن النبي r قال: «لا يدخل الجنة من لا يؤمن جاره بوائقه» وفي الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة t قال، قال رسول الله r: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره».

أخي المبارك: لقد ورد الخبر بلعن من يؤذى جاره، ففي حديث أبي جحيفة t قال: جاء رجل إلى النبي r يشكو جاره فقال له: «اطرح متاعك في الطريق» قال: فجعل الناس يمرون به فيلعنونه، فجاء إلى النبي r فقال: يا رسول الله: ما لقيت من الناس. قال: «وما لقيت منهم» قال: يلعنوني. قال: «فقد لعنك الله قبل الناس» “أخرجه البخاري”

فيا أخي لا تؤذي جارك وأحسن إليه ولا تكن من هذا الجار الذي قال في شأنه رسول الله r: «ثلاثة من الفواقر: إمام إن أحسنت لم يشكر وإن أسأت لم يغفر، وجار سوء إن رأى خيرًا دفنه، وإن رأى شرًا أذاعه وامرأة إذا حضرت آذتك وإن غبت عنها خانتك» [رواه الطبراني].

فإياك يا أخي ثم إياك من أذية الجار. وقد يبيع الرجل داره بأقل من ثمنها هربا من جار السوء كما قال أحدهم عند بيع داره:

يلومونني أن بعت بالرخص منزلي…. ولم يعلموا جارا هناك ينغص

فقلت لهم كفوا الملام فإنما…. بجيرانها تغلو الديار وترخص

واعلم يا أخي الحبيب: أن أشد أذى الجار والنيل منه الزنا بحليلته أي زوجته ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود t قال قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أن تجعل لله ندًا وهو خلقك» قلت إن هذا لعظيم. قلت: ثم أي: قال: «أن تزاني حليلة جارك»

فانظر يا أخي كيف قرن النبي r الزنا بزوجة الجار بالشرك بالله وذلك لعظم حق الجار

.. حفظني الله وإياكم .. من كل سوء وجعلنا ممن يحسن جوارهم.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :