الحب والروح بين فلسفة هيجل ورؤية الصادق النيهوم

الحب والروح بين فلسفة هيجل ورؤية الصادق النيهوم

  • قصي البسطامي بن مسكين

قرأت للصادق النيهوم كتاب بعنوان ( تحية طيبة وبعد) وهي مجموعة مقالات مختلطة دونها ونشرها في صحيفة الحقيقة تحدث فيها عن مواضيع شتى ومتناثرة ، ومما جذب إنتباهي أكثر أنه تحدث عن المشاعر الإنسانية وبالأخص غريزة الحب ففصل فيها نظرته اتجاهها، وذكر على أنها ليست مشاعر دفينة مستقلة بذاتها وليست في تضاد مع العقل كما يظن الكثير من الرومانسيين ، وإنما هي صادرة من العقل نفسه ((فرأس المشكلة أن الحب ليس عاطفة وليس تحليقًا فوق السحب أو ذبحًا لقصائد الشعر أو تبادل النظرات الوالهة مع امرأة..، إنه في الواقع- على عكس مايعتقد كل الناس- لا علاقة له بشؤون القلب على الإطلاق.الحب موقف عقلي متناهي الرزانة)) ، ما يؤكد أن العقل هو مصدر الحب وهو الذي تنبع منه المشاعر وليس القلب منها في شيء ، ولكن ما إن تفاجأت بهذا الكلام حتى وجدت نظيرا له تقدم في القول وأقصد الفيلسوف الألماني هيجل حينما قرأت عن فلسفته ترجمة الدكتور أحمد إمام قال فيها : (( لا يمكن للشعور أن يقف في معارضة العقل على هذا النحو، حين ندرك أن الشعور والعقل ليس شيئين وإنما شيء واحد في مراحل مختلفة من تطوره…)) ، لقد أرجع هيجل كل هذا إلى أن الذهن (( الروح)) وجود واحد يظهر في سلسلة من المراحل التطورية كالفكر والارادة والشعور ….؛ حينما قرأت ما نص عليه هيجل في فلسفته تباذر إلى ذهني أن الصادق ربما كان متأثرا به، فكما نعلم بأن الصادق النيهوم فيلسوف ليبي ومفكر ويجيد عدة لغات ومن بينها الألمانية، وحتى لو لم تكن اللغة الألمانية هي حلقة الوصل فيكفي لكونه متفلسف وأديب يرغم على أن يمر بتراث تلك الأمة ، التي تعتبر أوجه التطور الفلسفي للبشرية إن الفلسفة الغربية وبالأخص الهيجيلة منها لا تنحذر نحوى تفسيرات ميتافيزيقية بأي شكل من الأشكال فالروح ((spirit)) عند هيجل هي ليست شيء شفافا لا مرئي وإنما وضعها في إطار كونها هي نفسها المادة (( Material)) أو الصورة الجسمانية الظاهرة للوجود، فما دامت الفلسفة الهيجيلة تنظر وتنسب كل ماهو على أن له أصل مادي صرف، فعلينا القول بأن المكننة قد بدأت منذ أن إنتقد فيه هيجل الفلسفات الكلاسيكية القديمة التي كانت ترى لكل شيء في الذات على أنه مستقل وليس له مصدر ترتبط فيه تلك الأشياء ببعضها كما أشار هو إليها الصادق النيهوم : في كتاب له صدر بعنوان اسلام ضد الإسلام كتب فيه عدة مقالات نقدية في الدين ومما كتبه أنه تحدث عن الصلاة في الإسلام ودورها الروحي الذي أصله علماء الدين، ففند النهيوم كل ما له علاقة روحية في عوالم أخرى يتعلق بها العبد عند صلاته …، وفسرها على أن الصلاة لها هدف أخر وهو بعيد عن كل تلك الغيبيات التي نعتقد بوجودها وقال : أن الصلاة هي رياضة بدنية تعمل على ضبط وتنظيم التنفس للوصول إلى حالة من التوازن الباراسيكيولجي، تنتظم فيها شكارات الطاقة لتصل الى ذروة الارتخاء النفسي والعضلي، وقد شبه هذا الحال برياضة التأمل أو اليوغا عند البوذية غير أنها معدلة ولها إنتماء حسي نحوى الخارج..، كما أشار الصادق و ساق في كلامه إلى نتيجة مراده أن الصلاة لها علاقة بالخارج أكثر من كونها لها علاقة بما هو داخلي وعميق متصل بقوى علوية إن قول هيجل عن عدم وجود فارق بين العقل والمشاعر وبين قول النيهوم هو في تقارب يكاد يكون كليا مع بعض الاختلافات البسيطة، أما رأي المتواضع مع كامل احترامي لعمالقة الفلسفة والفكر فلا أرى له أي حجة مقنعة كافية بأن يرد كل ماهو ميتافيزيقي، إلى أنه فيزيقي بالضرورة فما دام الإنسان يخلو من العمق الروحي فإن كل ماهو براني سيسلبنا خصوصياتنا الجوانية…، ولن نكون أحرارا وذوي خصوصية مادام كل شيء مكشوفا ومتعرا أمام الطبيعة وعلى الملأ، بل سيكون كل شيء مباحا وعلى أتم صورة ، وإن كان يرى بأن العقل مادي خاصة تلك الأمعاء الدقيقة الموجودة في جماجمنا فإنني لا أرى أنها تفترق عن تلك الأمعاء التي توجد في جماجم بقية الحيوانات ، إن أبسط حجة فلسفية يمكنها إنكار ما أتى به هيجل وما قاله الصادق..، ولكن العلة ليست هنا وإنما في محاولة مخالفة المألوف والظهور بما هو غير ذلك ….؛ إما من أجل إثارة الجدل واعادة النظر في الذات الإنسانية كأساس لإعادة البحث مرة آخرى ، وإما للتميز والإنفراد بالحكمة عن غيرها من الفلسفات…، و إما محاولة الإنفصال وتحقيق شيء مغاير عن ما كانت عليه القيم الإنسانية والاجتماعية والحضارية والثقافية منذ القدم ، ولا ننسى على طيب الذكر أن اللغة أيضا لها دور في فصل ووضع كل جوهر مستقل عن غيره وقد يطول الأمر في تبيان الفروقات اللغوية بين العربية منها والألمانية… ، وعلى كل حال فما دام أن هناك علاقة موحدة بين العقل والمشاعر الحسية للإنسان فإن من الأمثلة البارزة القائمة على القياس ايضا تقول : ان عضد الذراع يسير في نموه إلى كوع المرفق ومن ثم يتشكل من بعده الساعد كغصن يمتد إلى أن ينشطر في نهاية راحة اليد فتتكون وتنشأ من بعدها الأصابع الخمسة، ولكل منها اسمه ومهمته الوظيفية ومساحته وطوله وحجمه فما دامت قد حددت وظيفة كل منها فإن لكل واحد له خصوصيته وعمله فهل يمكن القول أن السبابة هي كالإبهام ولا فرق بينها أو الخنصر كالبنصر الأطول طولا… ! فهكذا هي المشاعر والارادة والذهن والعقل والروح كما يبدو لي فكل منهم له دوره ومستقل عن غيره فلا المشاعر ناتجة عن العقل ولا العكس من هذا أبدا، ونتيجة هذه المقاربة قد بينت لنا ماهي حلقة الوصل التي أوصلت النيهوم إلى أن يعيد النظر في هكذا مسائل جوهرية في ثقافتنا ….، وهل للفلسفة الألمانية الهيجيلة لها دور في هذا أم لا….؟

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :