نوادر إبراهيم
_ إنه الحنين
والتعطش
الى صرخة الميلاد
وأنين الخاصرة
الى المخاض وأرحام الإنتماء
الى الأنفاس الماضية في رئة الحياة الأولى ، الى المشيمة البِكر والأثداء السخية .
_ إنه الحنين الى التفاصيل الصغيرة المُهملة
تلك التفاصيل التي تقودني الى الابتسام ،
تلك الابتسامات التي سطرت طفولتي وكبواتي الساذجة بحكاياتها وبؤسها ، عنفوانها وسحرها ، تفاصيلي النادرة التي شكلت إسمي وقدري .
_ إنه حنيني الي جدتي النقية كالسماء والدعاء ، جدتي التي أحتاجها الأن لتعلمني كيف أجيد طهي المواقف القاسية وأقدمها على أطباق من صبر وكبرياء ، أريدها أن تذكرني كيف أطبخ وأنظف وأُعد الحب دون تذمر ، أين أنتِ يا جدتي ؟!! .
_ إنه الحنين الى بيتنا الدافىء في مدينة ميلادي التي تذرع كل شيء يستحق الحياة ، السكر و العشق والوفاء حتى الذكريات المُثمرة بالدروس والعِبر ، بيتي الذي تم بيعه قبل سنوات قليلة بثمن لا يضاهي ذرة من ترابه وصدى كلماتي على حائط (الجالوص) العتيق ، بيتي الذي شهد فطامي ودخولي المدرسة ، شهد تساؤلاتي المراهقة وتطلعاتي الجامحة بالتفكر في الأبعاد الخفية .
_ إنه الحنين الى الحي الذي ترعرعت فيه مشاويري المشاكسة في عهد الطفولة مع الجيران ورائحة القصب وعناء الُعمال بالمصانع وشقاء الشتاء في أعين الشيوخ الغُبش .
_ إنه الحنين الى خالي التائه في سلافة الضياع ، وخالتي قليلة الحظ والأحلام ، وجارتنا التي تزوج زوجها بأخرى لا تضاهي جمالها وهندمتها لكنها بدوية الملامح ، تمشط (المسيرة) وتضع (الزُمام) ، و تنظم (الوَدْع) على عنقها ، وتجيد الرقص والتراث الدارفوري الجميل.
_ أنه الحنين الى (نوادر) بعمر العاشرة ، نشاطها ومشاكستها الهادئة في عالمها الوحيد مع جدتها التي رحلت قبل عامين دون وداعها ، الحنين الى أشياء جدتي (صاج الكِسرة ) وحَلة (العصيدة) وجلسة الجمعة على الإفطار والقهوة .
_ إنه الحنين الى وطني الكبير الشامخ (كنانة) التي شهدت ميلادي وأمنياتي ، حنيني إليها لا يُذاع بالحروف ولن أستطيعَ وصفه بيراعي المتواضع .
_ إنه الحنين الي سكينتي التي فارقت طريقي منذ إنفلات وجهتي الى عالم الأحزان والأدمع .
وبعض الحنين لا نستطيع أن نبوح به ، إنه حنين الصمت والكبت الطويل .
#كنانة #النيل_الأبيض