- خـالـد خميـس السَّحـاتي
إنَّ ظَاهِـرَةَ”العـولمة” مِنَ الظَّوَاهِـرِ الإِشْكَالِيَّةِ فِي الوَقْتِ الرَّاهِـنِ، حَيْثُ أَثَارَتْ كَثِيراً مِنَ الجَدَلِ فِي الأَوْسَاطِ الأَكَادِيمِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَتُوجَدُ اليَوْمَعَشَرَاتُ التَّعْرِيفَاتِ لِلعولمة، وَجُزْءٌ كَبِيرٌ مِنْهَا “أيديُولوجيَّة”، أيْ تنْطَلِقُ مِنْ مواقف مُسْبَقَةٍ لِلمَصْدَرِ الحَضَارِيِ المُنْتِجِ لِلمُصْطَلَحِوَمُشتملاته السِّياسيَّة والاقتصاديَّةوالثقافيَّة، فالبَعْضُ سَمَّاهَا بِالشوملة، والبَعْضُ سَمَّـاهَا بِالكَوْكَبِيَّةِ، وَالكَلِمَةُ تَعْنِي: وَضْعَ الشَّيءِ عَلَى مُسْتَوَى عَالَمِيٍّ، أَوْ تَعْمِيمٍ خَاصٍّ وَطَنِيٍّ ليُصْبِحَ عَالَمِيّاً، أَوْ هِيَ مَسْعَى لإِزَالَةِ الحُدُودِ وَالمَوَانِعِ مَا بَيْنَ الدُّوَلِ لِلسَّمَاحِ بِحُرِّيَّةِ الأَفْكَارِ وَالثَّقَافَاتِ وَالأَمْوَالِ وَالسِّلَعِ مِنْ دُونِ قِيُودٍ تَفْرِضُهَا السِّيَادَةُ الوَطَنِيَّةُ أَوِ الخُصُوصِيَّاتُ القَوْمِيَّةُ. ويُمكِنُ النَّظَرُ إِلَى مفهُومِ “العولمة” باعتباره مَفْهُـوماً مُرَكَّباً يَشْتَمِلُ عَلَى عِدَّةِ أَبْعَادٍ، وَلَعَلَّ صِفَةَ التَّرْكِيبِ تِلْكَ لاَ تَنْبُعُ فَقَطْ مِنْ تَعَدُّدِ الأَبْعَـادِ التِي يُشِيرُ إِلَيْهَا المَفْهُـومُ، وَإِنَّمَا مِن استِخْدَامِهِ أَيْضاً لِلتَّعْبِيرِ عَنْ كُلِّ التَّغَيُّراتِ التِي تَحْدُثُ فِي هَذِهِ الأَبْعَادِ المُخْتَلِفَةِ وَالآثَارِ النَّاجِمَةِ عَنْهَا.ويرى مُحمَّد عابد الجابري أنَّ: “العولمة هِيَ وَضْعُ الشَّيْءِ عَلَى مُسْتَوَى العَالَمِ، أي نقلُهُ من المحدُودِ المُرَاقَبِ، إلى اللامحدُودِ الذي ينأى عن كُلِّ مُرَاقَبَةٍ. والمحدُودُ هُنَا هُوَ أساساً الدَّولةُ القوميَّةُ، التي تتميَّزُ بحُدُودِ جُغرافيَّةٍ، أمَّا اللامحدُود فالمقصُودُ بِهِ العالمُ أي الكُرَّة الأرضيَّة”.ويُعَـرِّفُهَا إسماعيل صبري عبدالله بِأَنَّهَا: “التداخُلُ الواضحُ لأُمُـور الاقتصاد والسِّياسة والثقافة والاجتماع والسُّلُوكِ دُونَ اعتدادٍ يُذكرُ بالحُدُودِ السِّيَاسِيَّةِ للدَّولةِ ذات السِّيَادَةِ أو انتماءٍ إلى وطنٍ مُحدَّدٍ أو لدولةٍ مُعَيَّنَةٍ”.
ومنْ ضِمْنِ المَجَالاَتِ التِي طَالَتْهَا تأثيراتُظاهرة “العـولمة”: (مجال الوظيفة الدبلوماسيَّة)، وهـذا الموضُوعُيرتبطُ بدوْرِ تكنُولوجيا الاتِّصالات والمعلُومات في الدبلوماسيَّة؛ حَيْثُ أنَّ دَوْرَهَا كَبِيرٌ في تعزيز التفاعُلات الدَّوليَّة بصُورةٍ تُؤدِّي إلى تغيير هويَّات الأطراف والفاعلين في العالم، وحتَّى تغيير كيفيَّة النَّظَرِ إِلَى قضايا السِّياسة العالميَّة، فهي تُسَاعِدُنَا كَمَا يَرَى البَعْضُ على “فَهْمِ مَعَانِي الحَيَاةِ نَفْسِهَا، وفَهْمِ مَصَالِحِنَا، وتُحدِّدُ لنا منْ هُم الأصدقاء، ومنْ هُم الأعـداءُ”.وعبر توظيف وإدماج هذه الوسائل والآليَّات، والأطراف الجديدة في منظُومة دبلوماسيَّتها الرَّسميَّة (والشَّعبيَّة)، فإنَّ الدُّول والحُكُومات ستتعلَّمُ، وسيكُونُ لديها القُـدْرَةُ عَلَى استخدام هذه الوسائل المُستحدثة في تحقيق أهدافها وغاياتها، التي تعجزُ الوسائلُ الدبلوماسيَّة التقليديَّة عَنْ تحقيقها.فضلاً عن تأثير هذه الوسائل في عمليَّات إنتاج وتشكيل الهـويَّات الاجتماعـيَّة، والمعايير، والقواعد الحاكمة للمُجتمع العـالميِّ.
إنَّ مُعطيات ثورة الاتِّصالات والمعْلُومَاتِاستطاعت التأثيرفيأسلوبالدبلوماسيَّة،ومُمارستهافي إدارةالعلاقاتالدَّوليَّة،كماأنَّالمُؤسَّساتالمُختصَّةبالعملالدبلوماسيِّقدوظَّفتتلك المُعطيات والابتكاراتالحديثةفيخِدْمَةِنشاطهاالدبلوماسيِّ.فعلىسبيلالمثال:ساعدتتكنولوجياالاتصالاتفيتطوير”الاتِّصالالدَّوليِّ”،وظُهُورنوعٍجديدٍمنالدبلوماسيَّةعُرفتبدبلومـاسيَّةالأقمارالصِّناعـيَّة، أو “دبلوماسيَّة الإعلام الإلكترُونيِّ”، فالعالمُ مُتداخلٌ ومُتشابكٌ بشكلٍ وَاضِحٍ في ظلِّ بيئةٍ عالميَّةٍ قائمةٍ على الاعتماد المُتبادل والتنافُس، وشبكة المعلومات الدَّوليَّة “الإنترنت”، وهذه الأُمُورُ انعكست على العمل الدبلوماسيِّ برُمَّتِهِ، فأصبحت وزارتُ الخارجيَّة في العالم تعملُ على مُواكبة مثل هذه التطوُّرات، التي فرضت نفسها على الوظيفة الدبلوماسيَّة، وأصبح لِزَاماً عَلَى المَعْنِيينَ بِهَذَا الأمر استيعابُ مُعطيات عصر العولمة بشكلٍ عمليٍّ، وتطوير الأداء، والاستفادة الفعليَّة من الجوانب الإيجابيَّة التي تُوفِّرُها تكنُولوجيا الاتِّصالات والمعلُومـات. وللحديث بقيَّةٌ بمشيئة الله تعالى.