- عبدالله علي عمران
مر مهرجان الخريف للشعر الفصيح و القصة القصيرة الذي أقيم بمدينة البيضاء، كما تمر جنازة غريب ذي طباع حادة، فلا أحد يقبله أو يتقبله حيا، فكيف سيجد من يسير خلف جثمانه ميتا؟ انتهت فعاليات المهرجان، دون أي تغطية إعلامية أو حضور ثقافي أو مواكبة مجتمعية، مع أن الفعاليات استمرت 3 أيام متتالية من 11-11 إلى 13-11، بدأت بيوم للشعر (أصبوحة و أمسية)، ثم يوم للقصة (أصبوحة و أمسية) و انتهى يوم الجمعة بأمسية حوارية عن الشعر و القصة، و مع أن الفعاليات أقيمت بالمركز الثقافي الذي يتوسط المدينة، بل حتى الظروف المناخية تعاطفت مع المهرجان، و كانت الشمس مشرقة. لا يمكن أن أنكر مشاركة العديد من الوجوه الشابة و المواهب في المهرجان، و هو الإنجاز الأكبر، و الهدف الذي وضعه المنظمون نصب أعينهم منذ البداية، فقد أعلنت اللجنة المنظمة عن مسابقة في الشعر و القصة، و تم اختيار العديد من النصوص للمشاركة في فعاليات المهرجان، و لكن ذلك لم يكن كافيا، فلقد غاب المثقفون و المؤسسات و القراء و المتذوقون عن حضور الفعاليات. من الناحية الإعلامية، كنتُ أتواصل مع بعض القنوات و المواقع، بصفتي رئيسا للمهرجان، لكي تنشر أخبار الفعاليات، و لم تبادر أي قناة أو صحيفة للتواصل معي، غابت المؤسسات العلمية، التي يفترض أنها على تماس مع الشعر و القصة و الأدب، غاب النقاد و أساتذة الأدب، و من يحللون قصائد المتنبي و البحتري في قاعات المحاضرات، لربما لأن الفعاليات يشارك فيها الأحياء فقط. غاب المثقفون، حتى أولئك الذين يمرون بجانب قاعة المهرجان و هم متجهون لمحل بيع السجائر، غاب رئيس هيئة الإعلام و الثقافة، و المكلف من طرف الدولة، لمواكبة و خلق الأحداث الثقافية، هل كان كل هؤلاء، ينتظرون دعوة للحضور؟ لا يمكن لعاقل أن يضع هذه الحجة، ضمن قائمة الحج المحتملة لعدم حضورهم. الدرس المخيف المستفاد، أن هناك شتات و عشوائية، تسود المشهد الثقافي، المرتجل و السطحي، و الذي لا تتعدى فعالياته الجوانب الشكلية، في ظل غياب تام للهدف و الرسالة و الأدوات، دع عنك التجاذب الأيديولوجي و الجهوي و المناطقي، فحتى داخل لجان المهرجان الواحد، بل حتى اللجنة الواحدة، هناك غياب للتكامل و العمل الجماعي، و هيمنة الكسل و الاتكالية و اللامبالاة بالنتائج، بل و حتى المصالح و العداوات الشخصية. الدرس المخيف المستفاد، أن الصعود و الهبوط في المجال الثقافي و الأدبي، يحدث لأسباب عشوائية، و ليس نتاجا لحركة ثقافية أو نقدية، و أن الرغبة في التفرد و الزعامة الوحدانية، ليست حكرا على الساسة و الطغاة، بل هي آفة يمكن رؤيتها بوضوح في المشهد الثقافي، و بالتالي تغيب فكرة (المجايلة) و انتقال المعرفة و الريادة من جليل إلى جيل بشكل تلقائي. باختصار نحن شعوب تدعي أو تتوهم أن لديها ثقافة و لديها نخب فاعلة.