الدولة .. لا تدفع الحمام

الدولة .. لا تدفع الحمام

المهدي يوسف كاجيجي

بتاريخ 1968/09/11م من القرن الماضي، كتب السيد محمد الخطيب الوكيل المساعد بوزارة التربية والتعليم، في المملكة الليبية، رسالة الي السيد مدير تعليم محافظة درنة، يطالبه فيها بالعمل علي خصم ما قيمته 3,250 جنيه ليبي ” ثلاثة جنيهات وخمسة وعشرون قرشا ” من مرتب السيد محمد بلها، الموظف التابع لإدارته، [ قيمة مشروبات غازية وأجرة حمّام، تمتع بها المعني عند قدومه إلي محافظة طرابلس في مهمة رسمية].

وقد سددت هذه الادارة المبلغ المذكور لهوتيل ” كابيتول “، حسب الفواتير المرفقة طيه. مع العلم بان مثل هذه المصروفات لا تتحملها الوزارة، حسب لائحة نفقات السفر وعلاوة المبيت. في شهر سبتمبر سلمت الرسالة، وفِي شهر أكتوبر خصم المبلغ المطلوب، وفِي الخامس من ديسمبر، كان اخر التوقيعات التي أكدت ” لقد أجري اللازم واغلق الملف”.الوزير والأديب الزاهدفرقتنا الايام.. والتقينا في لندن، جاء اليها بقلب اجهدته السنوات.

استقبل عند وصوله كوزير، وحجزت له السفارة في فندق شيراتون بارك لين، وهًو من الفنادق الفخمة، ويقع في أغلى شوارع لندن عقارا وتسوقا وهو شارع نيتسبريدج. اتصل بي استاذنا عبد الله القويري بعد وصوله، وكان يشغل وقتها منصب وزير الاعلام في اتحاد الجمهوريات العربية. بعد السلام دخل في الموضوع وقال: يا سيدي انا في رحلة عًلاج على حساب الدولة، من المفروض ان مصاريف العلاج تدفع، والإقامة خارج المستشفى تغطى بعلاوة، كانت وقتها حوالي خمسين جنيها إسترليني في اليوم.

المطلوب توفير سكن ومعيشة ضمن حدود هذا المبلغ. قلت له مستغربا: انت مقيم على حساب الدولة، في فندق جيد شامل كل شيء وبرسالة حجز مفتوح، لست بحاجة للتقشف. رد بعصبية: هل لكل مواطن قدم للعلاج هذا الحق مثلى؟ أجبت: انت وزير وشخصية عمومية. رد باقتضاب وبصوت حازم: هل تستطيع توفير ذلك؟ – او ابحث عن غيرك. كان المبلغ زهيدا.. وبعد بحث طويل وجدت ستوديو متواضعا في منطقة ” ايرليزكورت ” يملكه عراقي، وعندما قمنا بزيارة المكان التعس، التفت الى زوجته السيدة أمنه وقال ضاحكا: البركة في” امونه ” ستحوله مكانا يليق بالآدميين. وانتقل إلى المكان في نفس اليوم.الرقابة وحدها لا تكفيفي الحكاية الأولي: مراسلات واتصالات ما بين طرابلس ودرنة، استمرت أكثر من ثلاثة أشهر، بهدف استرداد الدولة الليبية، مبلغا قيمته ” ثلاثة جنيهات وربع ” تم صرفها مخالفة للوائح علاوات السفر والمبيت. والتي رأت ان الموظف قام وبغير حق، بتناوله مشروبات غازية و [تمتعه] كما ورد في الرسالة بحمام قامت بدفعه الدولة. وهي صورة أوضحت، وتبيّن من خلالها كيف كانت الدولة الليبية وقتها، وكيف كان التزامها بالتطبيقات الصارمة للوائحها وقوانينها وهو ما نراه واضحا من خلال التأشيرات والتواريخ والارقام الإشارية، والتوقيعات على الرسالة المنشورة حتى التنفيذ. في الحكاية الثانية: وهي بالمناسبة، تمت استعارتها من مقال بعنوان ” عبد الله القويري.. الزاهد ” من منشورات ليبيا المستقبل. هي نموذج المسئول القدوة الذي يبدأ بتطبيق القوانين واللوائح علي نفسه شخصيا، رافضا استغلال وضعه الوظيفي، بهدف الاستفادة الشخصية، له ولصالح عائلته ومحاسبيه. وهو نموذج أصبح نادر الوجود في زمن فاسد. تذكرت ذلك وأنا اقرأ التقرير السنوي الذي اصدره ديوان المحاسبة، وتابعت ردود الفعل علي الوجوه المغبونة، وعن الأرقام المفزعة لحجم الفساد في ليبيا. ورحم الله أساتذتنا الاجلاء، محمد الخطيب، وعبدالله القويري .

• الصورة: المطالبة الرسمية باسترداد مبلغ ثلاثة جنيهات و25 قرشا، الصورة للأديب الكبير الأستاذ عبدالله القويري، رحمه الله. سبق النشر.‏

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :