حاورتها :: انتصار الفلاني
حين نبدأ الكتابة أول مرة نحاول تقليد الآخرين الذين نحبهم من الشعراء والشاعرات
جعلتها الحياة المحافظة في منطقتها سوق الجمعة تنشر قصائدها باسم مستعار ، لكن الحزن والصيف الحار والبكاء هو ما جعلها تطرق أبواب مملكة الشعر ، كتبت في الشعر والنقد والصحافة وحاليا تستكمل دراستها المعنونة ب ( المرأة في الشعر الليبي ) كانت ضمن أسرة مجلة ( البيت ) وحاليا عضو بمجلة المؤتمر ، حواء القمودي شاعرة مفعمة بالود ، مليئة بالحب والقصائد .
كيف كانت طفولتك؟
هي طفولة بسيطة لبنت من منطقة سوق الجمعة الواقعة على ساحل طرابلس الجميل، حيث الأراضي الشاسعة ،النخيل والزيتون والرمان و التوت والمشمش والأرض تفوح بعبق الخضراوات الندية وتتلون بألوانها الزاهية حسب المواسم ،وبئر الماء يتوسط كل ذلك يجود لعشاق أرضهم الذين يروون به مزروعاتهم ،الجابية والميدة والمصلي (حيث يجلس الرجال وحين يجيء وقت الصلاة يقفون للصلاة حيث كانوا يلعبون الورق /الكارطة/(كبرت في هذه الأجواء الحميمية ،حيث الجدات والعمات والخالات والأعمام،نحن الصغار نملأ (السانية)بألعابنا المبتكرة،دخلت المدرسة الابتدائية وتعرفت على عالم الحرف الشاسع فوقعت في حب اللغة،وأحببت القراءة ،وكانت قراءتي لرواية (الزنبقة السوداء)المقررة في منهج أخي بالمرحلة الإعدادية ، في العطلة الصيفية ،بعد نجاحي بالصف الرابع الابتدائي ،حيث شعرت بالملل فظللت أبحث عن تسلية،وفتشت كتب أخي محمد،لأجد تلك القصة وأبدأ القراءة ،وهناك اكتشفت العوالم الشاسعة ،وعرفت أن الأبجدية التي نحفظها أ،ب،ت،……)قادرة على هذا العالم فأردت أن أكتب وأن أكون عالما من الكلمات،أتذكر أني بالصف الخامس و السادس ،أجدت كثيرا كتابة دروس التعبير،حتى أن معلمتي كانت تطلب مني الوقوف لقراءة موضوعي ،ثم تطلب من التلميذات التصفيق لي بالصف الأول الإعدادي حاولت أن أكتب شعرا .
متى اكتشفت موهبة الشعر لديك؟
مالا أنساه هو صيف حار وخصام مع صديقتي وحزني وبكائي ،جلست على التراب وأمسكت بعود زيتون جاف،وبدأت أرسم الأحرف على التراب ،تشكلت الكلمات،وعرفت حين ذاك أنني دخلت مملكة الشعر .
لمن تقرأ حواء القمودي؟
أي كتاب يقع بين يدي،كنت محظوظة باهتمام أخي محمد/البكر في عائلتنا والذي كان يحب مجلة العربي الكويتية ،و مجلة الأمل وقصص الأطفال،و أهداني حين تحصلت على الشهادة الابتدائية /أليس في بلاد العجائب /وهكذا مازلت اعتبر القراءة زاد هاما للإبداع.
دلال المغربي أسمك الذي نشرتي به قصائدك لماذا ؟
لأنني من منطقة محافظة ،تتبع نمط من العادات والتقاليد(يسود اغلب مجتمعنا الليبي،ولا تنسي أني من جيل الستينات )وحين بدأت محاولاتي الأولى لنشر ما اكتب واجهتني حكاية الاسم ،فكتبت تحت عدة اسماء ،حتى وقع اختياري على اسم الشهيدة الفلسطينية /دلال المغربي/وظللت اختبئ وراء اسمها حتى عام 1995م حين نشرت مجلة الناقد التي تصدر عن دار الريس ملفا عن المشهد التقافي الليبي ،ونشر لي نص/امنية،أراقب العالم بدهشة /ونهاية الالفية الاولى نشرت في مجلة الفصول 4،والتي تصدر عن رابطة الكتاب و الادباء الليبين قصيدة (هي وعاداتها)باسمي الحقيقي /حواء القمودي /وقد اخترت اسم والدي مع اسمي وليس اسم العائلة .
أحاول من خلال الكتابة أن أحافظ على حواء (بنت السانية ) وأن لا أتحول لمجرد رقم
ماهو الاسلوب الذي تتبعينه في كتابة أشعارك؟
حين نبدأ الكتابة أول مرة نحاول تقليد الآخرين الذين نحبهم من الشعراء والشاعرات والمبدعين بشتى صنوف الأدب ،ثم نكتشف خصوصيتنا ونظل نبحث عن تميزنا، ولكن جيلي كان محظوظا بتلك الثورة الشعرية ،ثورة قصيدة النثر ،وحين بدأت الكتابة كانت قد ترسخت رغم عدم اعتراف الكثير حتى يومنا هذا بها،واعتراض الكثيرين على تسمية قصيدة النثر )وربما كل التغيرات التي عشناها في أواخر القرن العشرين هي التي جعلتنا نخترق عمود القصيدة التقليدية ونكتب همومنا وقلقنا /نشرت أول نص شعري في عام 1983،كان جزء من قصيدة طويلة ونشر على صفحات جريدة الجماهيرية أنذاك.
ما الذي يميز حياة الشعراء ؟
المبدعون و المبدعات هم مجرد بشر،مايميزهم هو هذه الموهبة التي حباهم الله سبحانه وتعالى بها ،والمهم جدا هو الايمان بهذه الموهبة والدفاع عنها ،والتفكير :ماذا سأفعل بها؟
ما الذي تطمح له حواء القمودي؟
كنت أحلم بالمساهمة في تغيير مجتمعي نحو الأفضل ،كنت أقول لهم: إنكم رائعون ،ولكن هناك عيوب يجب أن نتخلص منها لنكون أجمل ،هكذا كنت أحلم وأنا صغيرة ،وأعترف الآن ،أنني أحاول من خلال الكتابة أن أحافظ على حواء (بنت السانية )وأن لا أتغير وأصبح مجرد رقم من الأرقام؟.
هل ترغبين في سرد قصة حواء الإنسانة؟
مايتميز به الإبداع بصفة عامة،أنه يبدأ من تجربة شخصية ،ولكنه يمر من خلال هذا (الإنسان الإنسانة ،المبدع ،المبدعة ) وحين يكتبه ،سيصبح وكأنه كتابة كل الناس،أو بعض من هؤلاء الناس الذين عاشوا مثل هذه التجربة ،لهذا نحب الشعر والقصة ونستمتع بمشاهدة الأفلام،لأننا نجد بعضا منا في هذه العوالم ،وحواء الشاعرة لا تسطيع أن تنفصل عن حواء الإنسانة لهذا ستجدي طفولتي وتجربتي الإنسانية ،تفكيري وطموحي ،حزني وبهجتي ،وأيضا قد تجدي بعضا منك يا ابنتي.
كيف كانت مسيرتك كرئيسة تحرير لمجلة الأمل؟
تسألين عن تجربتي مع مجلة الأمل كرئيسة تحرير،فلأخبرك أنني عرفت الأمل كمجلة كطفلة وأيضا مجلة البيت حين كنت مراهقة ،والقاسم المشترك بينهما هو اسم (خديجة الجهمي)،في أي خطوة، منحني الله لأتسلم رئاسة تحرير مجلة الطفل(الوحيدة التي استمرت بالصدور رغم توقفها كل مرة لسنوات ،لكنها تعود للصدور من جديد) مجلة الأمل حين دخلت رحابها ،أصابتني قشعريرة ،فأنا سأجلس في مكان أسسته السيدة خديجة الجهمي،فالكل يعرف هذه السيدة و ماالذي أعطته لمجتمعنا الليبي؟
تجربتي مع مجلة الأمل (تسلمت رئاستها في أكتوبر 2011وحتى ديسمبر2014) كانت تجربة ثرية ومليئة بالمعرفة والحلم والطموح واجتهدت قدر استطاعتي ،أنجزت ثلات مجلدات منها،أفتخر بهذه التجربة ،وأحاول الاستفادة من كل أخطائي التي ارتكبتها ،هذه ميزة كل تجربة حقيقيةإنها تمنحنا معرفة ذواتنا وإمكانياتنا ،فقط لازلت أشعر بقشعريرة من صميم روحي حين أتذكر أنني جلست في مكان أسسته رائدة من مجتمعنا الليبي اسمها خديجة الجهمي.
وفي ختامنا مع الشاعرة حواء القمودي نختم بأبيات من قصيدتها التي تحمل عنوان ( إنهم ينتظرون قصيدة).
إنهم في انتظارك
يسمونك قصيدة جديدة
يترقبون هطولك في روحي
تشكل قسماتك بين يدي
وأنا فاغرة القلب
أرقب هذا العالم الخرب ينهار
الدم يغطي البياض
والصلوات لم تعد تعرف .. أين تذهب
وأنا أنتظرك
وأتسمع وقع خطواتك الواجفة
نعم
هذا العالم صار مقبرة
لكن الشمس تشرق والنسائم تداعب خدود الصبايا
والبحر لايغادر زرقته
والخطيفات تخبرني أن طفولتي مخبوءة تحت جناحها
وثمة ولد يترقب قبلة من فم حبيبته الشهي
هناك الكثير من الحب
والجمال
والضوء
لذا يمكنك الهطول
والطيران
والمشي حافية
فأنا أكتبك
أقاوم الخراب بك
وأرسم عالما بهيا تضيئه قصيدة
قصيدة ينتظرونها.