- حاوره : سالم البرغوتي
ما أصعب أن تلج القصيدة خاليا مما تعارف الناس عليه، من أشكال البلاغة التقليدية
كثيرًا ما ألقي قصيدتي وأمضي غير منتظر لأي أثر تتركه

تستدعيني لفظة من على هامش اللغة ، تحرك وترا ساكنا ، تؤجج مشاعري ، تساعدني على الانطلاق في سَوق ما أؤمن به
النثر بدأ يسيطر على المشهد الشعري ، والحداثة تتعدى الأشكال إلى الرؤى
قصائد سعدي يوسف ، ومفتاح العماري ، وسالم العوكلي ، كانت دليلا ومرتكزا ، فقد أرست دعائم قصيدة النثر بالنسبة لي
حاوره : سالم البرغوتي
ذات يوم كتب لنفسه وصية، وذات نهار سمع أنين الرحى في الثلث الأخير من الوجد
أدخل القصائد الضالة إلى بيته فصارت جزءًا من عائلته ، يستنطق معانيها البكر قبل أن تلوثها أصابع الفهم الخاطئ.
يقف في طريق الرصاصة التي تستهدف قلب السلام محترقا بلهب المعاني العصية.

نفسه في القصيدة يشبه إلى حد كبير نفس الشاعر الصغير أولاد أحمد.
نعم وأنا أتفحص إنسانيته في سطور قصائده شعرت بذلك.
جمعه عبدالعليم شاعر من طبقة النبلاء، الذين لا يقفون على عتبات قصور الأمراء طمعا في الهدايا والجاه والشهرة، إنه شاعر يقول ما لديه ويمضي دون أن يلتفت خلفه، لكنه يترك في المكان غبارا يدل على أثره.
السيرة الذاتية.
جمعة عبدالعليم: شاعر ليبي بارز ، ولد عام 1960م، ويعمل موظفا في جامعة درنة.
يعد من أبرز الأصوات في مجال قصيدة النثر في ليبيا، حيث يُعرف بإنتاجه الغزير، ومساهمته المتميزة في المشهد الشعري الليبي المعاصر.
بدأ الشاعر جمعة عبدالعليم مسيرته الشعرية في أوائل القرن الحادي والعشرين، وواصل إصدار مجموعاته الشعرية التي تعكس تجاربه الشخصية مع الواقع الليبي ومن أبرز أعماله:
عصيان الكلام وأشياء أخرى 2006.
عمر آخر 2006.
نشوة القول 2008.
سطوة الكذب 2019.
مد يدك 2019.
خفافا في أعين الريحة2022.
التفاتة متأخرة 2022.
وحيدا على حافة الاحتمال 2022.
س: قلت إن الاستسهال الذي تمارسه في قصيدة النثر هو أكثر صعوبة من أن يكون متاحا في أي وقت ولأي كان . هل تفسر لنا ذلك ؟
إن انتهاج البساطة ليس بالأمر الهيّن ، فما أصعب أن تلج القصيدة خاليا مما تعارف الناس عليه، من أشكال البلاغة التقليدية ، وما أصعب أن تمتطي مغامرة القول وأنت أعزل من مختلف الأشكال والمضامين التي تعوّد عليها المتلقي العربي، وفي اعتقادي أنه سيكون نجاحا عظيما حين تصل إلى وجدان المتلقي دون أن توغل فيما تعوّد عليه شكلا ومضمونا.
كيف تصف تجربتك الشعرية؟ وما الذي يميّزها في رأيك عن تجارب الآخرين؟
تجربتي الشعرية انعكاس لتجربتي الحياتية ، وهي بالتأكيد ليست خالصة تماما، فهي تتقاطع من تجارب الآخرين وتستقي حالاتهم، و وهم معاناتهم وهم يكابدون الحياة ، تحزن معهم، وتفرح معهم، وتشارك في صياغة أسئلة الوجود الشاقة، وفي الواقع لدينا تجربة ليبية واسعة وغنية ومميزة في قصيدة النثر، وأسماء فاعلة، كالمفتاحيْن: العماري والعلواني ، وسالم العوكلي ، وعبدالسلام العجيلي ، وحواء القمودي، وكثيرون وكثيرات من الأسماء الفاعلة.

ولادة القصيدة في داخلك هل هي لحظة إلهام؟ أم نتيجة تأمل طويل؟
ج: القصيدة لديّ دائما ردة فعل ، مجاراة لليومي ،هدم للعلائق الظالمة ، واستشراف للأمنيات التالية ، إنها قصيدة اليومي بعيدة جدا عن الأبراج العاجية ، لا تهتم بالأفكار ولا تدّعي الفلسفة ، هي فقط توصيف لذات في مختلف حالاتها وهي تكابد تجرية العيش ، وهي تطمح لتحقيق الأهداف النبيلة ، وهي ترفض الزيف والظلم والاضطهاد.
علاقة الشاعر بالجمهور كيف تنظر إليها؟ وهل وسائل التواصل أثّرت على هذه العلاقة؟
كثيرًا ما ألقي قصيدتي وأمضي غير منتظر لأي أثر تتركه ، ولكن ليس ثمة مبدع يمكن أن يقول في الفراغ ، فردود فعل الناس لها الأثر الكبير ، وهي البوصلة التي تشير إلى أية جهة يمكن الوصول ، وأي جدوى يمكن أن تتحقق.
وبالتأكيد فإن وسائل التواصل الاجتماعي لها أهمية كبيرة فهي جمهورك الافتراضي والحقيقي في آن.
ماهي الأدوات التي يعتمد عليها شاعر النثر لصنع الإيقاع والدهشة لدى المتلقي؟
لا دراية لي أبدا بأية أدوات ، تملؤني المشاعر المتناقضة فيفيض النص من دوامة الصراع ، لا أسعى لأية دهشة لدى المتلقي وإن كنت سعيدا بتحقيقها ، القصيدة لديّ ممارسة للحياة ، الحركة المستترة التي تحول بيني وبين الغرق في متناقضات الراهن المخاتل.

في رأيك هل شعر النثر يتيح حرية أكثر للتعبير؟ أم يحمّل الشاعر مسؤولية أكبر لصناعة الجمال؟
لم أفكر يوما بذلك ، ولم أطرح هذه الأسئلة على نفسي ، القصيدة دائما تتقدمني بخطوة ، ولا أتأملها إلا بعد إنجازها ، أحافظ على عذريتها وأحاول أن أبقي عليها كما هي أول مرة.
في ظل التنوع الشعري، لماذا اخترت شعر النثر ؟ هل هو خيار جمالي أم تمرد على القوالب التقليدية؟
ج: في بداياتي جربت القصيدة العمودية ، ومن ثم قصيدة التفعيلة ، وحين اطلعت على التجارب النثرية استهوتني جدا ووجدت فيها نفسي ، شعرت بهذا الدفق السيمفوني من الموسيقا ، دفق لا تحده طبول ، ولا يخضع لمزاج التلون.
ولا أنفي أيضا غواية التمرد على الأفكار والأشكال ، والسعي للتجديد والمواكبة ، والقطيعة مع السائد والتقليدي.
ما العناصر الأساسية التي تراها أساسية في كتابة قصيدة نثرية ناجحة؟ اللغة أم الصورة أم الإيقاع الداخلي؟

ربما كان من الأفضل توجيه هذا السؤال لناقد ، شخصيا لم أخطط أبدا يوما لبداية قصيدة ، لم أراجع قصيدة ، لم أستخدم الشطب أو التشجيب ، قد يكون ذلك مما يعاب على الشاعر ، غير أنني لا أطمح حتى لهذه المرتبة ، مرتبة الشاعر ، تستدعيني لفظة من على هامش اللغة ، تحرك وترا ساكنا ، تستطيع أن تؤجج مشاعري ، تساعدني على الانطلاق في سَوق ما أؤمن به ، تساعدني على تفريغ الألم ، تعينني على مواجهة هشاشة الحياة ، فأقولها وأمضي.
كيف ترى مستقبل شعر النثر في المشهد العربي؟ هل هو شكل شعري عابر؟ أم مشروع أدبي طويل؟

أشعر أن هذا السؤال أكبر من مقدرتي على الرد ، شخصيا أرى أن النثر بدأ يسيطر على المشهد الشعري ، هذا لا يعني أنه الأفضل في كل الحالات ، فالشعر يظل شعرا في أي شكل، والحداثة تتعدى الأشكال إلى الرؤى.
هل هناك قصائد نثرية تعتبرها مفصلية في مسيرتك الشعرية ولماذا ؟
بالتأكيد ، قصائد سعدي يوسف ، ومفتاح العماري ، وسالم العوكلي ، كانت دليلا ومرتكزا ، فقد أرست دعائم قصيدة النثر بالنسبة لي، ووهبني التنوع في تجاربهم هامشا كبيرا من الحرية ، ومجالا للإثبات الذات وحثها على الإبداع.














