محمد عبدالرحمن شحاتة
الطمع أخرته وحشة، ودايمًا الطماع بيلبِس في حيطة، هو واللي بيسمع كلامه.
زي حالاتي كده، مشيت ورا مراتي على شان أخلص من الصداع بتاعها، لأنها كل يوم والتاني تزِن على دماغي وعايزة تعيش في العبور، وأنا لا عمري روحت العبور ولا خرجت من المكان اللي اتولدت فيه، حتى لما اشتغلت مدرس تعييني كان في مدرسة جنبنا، لدرجة إني قولت لها: “شقتنا لو اتباعت مش هتجيب تمن حاجة في العبور أصلًا“.
لحد ما في ليلة كنا قاعدين، لقيتها جاية بتجري ناحيتي، وبتورِّيني إعلان شقة بتتباع في العبور، وإن تمنها نفس تمن شقّتنا، استغربت الموضوع كله بس كان مكتوب البيع لدواعي السفر.
معرفتش أهرب منها، بس قولت ده واحد بيبيع مُضطر لأنه مسافر، وحظي الحلو إن إعلانه وقع في إيد مراتي.
تواصلت مع صاحب الشقة واتفقت معاه، وخلال كام يوم كنت بايع شقتي، ودافع تمن شقة العبور للبايع، ونقلنا عفشنا وظبطنا أمورنا، وبدأت أستعد على شان أنقل مدرستي هناك.
وفي أول ليلة نبات في الشقة الجديدة، صحيت في نُص الليل على صوت المكنسة، استغربت وقولت في نفسي: “هي وفاء اتجننت ولا إيه؟ فرحانة بالشقة وقايمة تنضف في نص الليل! وبعدين دا إحنا لسه ناقلين ومرتّبين كل حاجة“.
بس تفكيري وقف لما لقيت وفاء نايمة جنبي ورايحة في سابع نومة.
اتنفضت من السرير وقومت أشوف إيه الحكاية، ولما خرجت الصالة، أعصابي سابت وحسيت جسمي بيشوِّكني من الخوف؛ لما شوفت المكنسة شغالة وماسكها واحدة ست جسمها وهدومها زي ما يكونوا من الدخان.
لساني كلبِش في سقف بوقي، مقدرتش أنطق، جريت ودخلت الأوضة، وساعتها وفاء قامت من النوم لأني خبطت في السرير بدون ما أقصد، ولما شافتني صاحي قالت لي: “إيه اللي مصحيك يا حسام؟“.
بلعت ريقي وقولت لها: “مفيش.. دا أنا كنت في الحمام“.
في الوقت ده الصوت كان اختفى، مقدرتش أخرج من الأوضة تاني، دخلت في السرير ونمت، ولما قومت الصبح، فطرت ولا كأن في حاجة حصلت، وبعدها خرجت على شان أكمل إجراءات نقل المدرسة بتاعتي، وساعتها جه في بالي أكلم الشخص اللي اشتريته منه الشقة، رنيت عليه ولما رد عليا قولت له: “البيعة تمَّت ومعدش في مجال للرجوع، بس إيه حكاية الشقة اللي بنُص التمن دي؟ هو البيع لدواعي السفر فعلًا؟“.
بعد ما سكِت ثواني قال لي: “عايز الحق ولا ابن عمه”؟
قولت له: “الحق طبعًا“.
ساعتها قال لي: “أنا فعلًا مسافر، ولو مكنتش مسافر كنت هخلص من الشقة برضه وبنفس السعر، لأني بعد ما اشتريتها اكتشفت إنه كان ميت فيها واحدة ست، اتكهربت من المكنسة وهي بتنضف، طبعًا أنا عرفت الحكاية بعد ما شوفتها أكتر من مرة في نُص الليل، وأنا واحد أعصابي مش هتتحمل أعيش مع حاجة زي دي، بس للأمانة، ست شهور في الشقة مفكرِتش إنها تأذيني، بتظهر في حالها وبتختفي في حالها، بس كده أو كده أنا كنت بايع وبالسعر اللي أنت اشتريت به“.
قفلت المكالمة وأنا بقول في نفسي: “دي أخرة الطمع، كان مالها شقتنا يعني، أدينا لبسنا في شقة مسكونة“.
خلصت اللي ورايا وروحت البيت، طبعًا مفتحتش بوقي بنُص كلمة عن اللي شوفته، ولا عن مكالمتي مع البايع، واليوم فات عادي، لحد ما دخلنا نمنا، ساعتها صحيت على صرخة وفاء مراتي جاية من الصالة، فتحت عيني وأنا عارف اللي فيها؛ لأني كنت سامع صوت المكنسة، بس خرجت أشوف إيه اللي حصل، وساعتها شوفت وفاء واقفة في الصالة والرعب مالي وشَّها، وهي بتبُص لشبح الست اللي كان ظاهر في صورة طبق الأصل من اللي شوفتها ليلة امبارح، جسم وهدوم من دخان، وماسكة المكنسة وبتنضف الأرضية.
أول ما وفاء شافتني؛ لقيتها بتشاور ناحيتها وإيدها بترتعش وبتقول لي: “شايف اللي أنا شيفاه يا حسام؟“.
طبعًا كنت شايف، بس عملت فيها من بنها، وقولت لها: “شايف إيه يا وفاء؟“.
“دخان على شكل واحدة ست؛ بتكنس بالمكنسة“.
قرَّبت منها وطبطبت عليها، وقولت لها: “مفيش حاجة يا حبيبتي؛ أنتِ أكيد بيتهيّأ لِك“.
ساعتها وقعت في الأرض وهي فاقدة الوعي، في الوقت اللي صوت المكنسة اختفى فيه، ومعاه شبح الست، ولما وفاء فاقت، قولت لها إن دي أكيد تهيّؤات، وإني كنت جنبها في الصالة ومشوفتش حاجة، كل ده وأنا بقول في سري: “ما هو لولا طمعِك مكناش وقعنا الوقعة السودة دي، خليكِ على كده بقى لحد ما ربنا يفرجها، وطالما شبح الست بيظهر وبيختفي في حاله زي ما البايع قال لي؛ فالموضوع بالنسبة لي كان عادي“.
من وقتها وأنا على الحال دي، كأني كنت بخلَّص منها صداع ووجع دماغ السنين اللي فاتت، دا غير إنها اتسببت في اللي إحنا فيه دلوقت، لأن كل ليلة والتانية كنت أسمع صوت المكنسة، ومن بعده صرخة وفاء مراتي، ولما أخرج ألاقيها واقعة في الصالة فاقدة الوعي، ولما تفوق كنت برضه بقنعها إن كل دي تهيّؤات!