الصفحة الإلزامية للقانون الدولي

الصفحة الإلزامية للقانون الدولي

  • المحامي / أحمد خميس

يؤدي وصف قواعد القانون الدولي بأنها تلك القواعد الملزمة إلى تميزها عن القواعد الأخرى التي تسـاهم بدرجات متفاوتة في تنظيم العلاقات , كالمجاملات الدولية , وقواعد الأخلاق الدولية , وقواعد القانون الطبيعي . أ-المُجَامَلَاتُ الدّوْلِيّة : يقصد بمصطلح المجاملات الدولية مجموعة القواعد التي اعتادت الدول مراعاتها في علاقاتها المتبادلة بهدف توطيد هذه العلاقات وتحسينها , وتأكيداً لودها وحسن نيتها , وحرصها على مقتضيات اللياقة والكياسة , ودون أن تشعر بأنها ملزمة على ذلك قانوناً , أو خلقاً , ودون أن يكون لهذه القواعد علاقة بالعدالة كمثل أعلى لما يتوجب أن تكون عليه العلاقات في المجتمع . و مثالها التحية البحرية , وتبادل التهاني بين رؤساء الدول في المناسبات . و تتميز القواعد القانونية الدولية عن المجاملات الدولية في أن : القواعد القانونية الدولية ملزمة , أي أن الدول تشعر بأن مخالفتها تعرضها إلى الجزاء . في حين أن الخروج على المجاملات الدولية لا يعرض منتهكها إلى المسؤولية الدولية وإنما إلى المعاملة بالمثل . و قد تتحول المجاملات الدولية إلى قواعد قانونية ملزمة , ومثالها الحصانات الدبلوماسية.. كما أنه نظرياً ليس هناك مانع من تحول قاعدة قانونية دولية إلى قاعدة من قواعد المجاملات الدولية غير الملزمة , وهو ما حدث بالنسبة لمراسم استقبال وتحية السفن الحربية في الموانئ الأجنبية التي كانت قديماً من القواعد القانونية الملزمة . ب-الأخْلَاقُ الدّوْلِيّة : يقصد بالأخلاق الدولية تلك القواعد التي تشعر الدول بأن مقتضيات الأخلاق الفاضلة , ومتطلبات المروءة والشهامة تملي عليها اتباعها على الرغم من أن الخروج عليها لا يعرضها إلى الجزاء . ومثالها نجدة الدول الأخرى في الكوارث وتقديم يد العون والمساعدة لها , وعدم لجوئها إلى أساليب وحشية غير ضرورية قدر الإمكان في حروبها مع الدول الأخرى …… ( وتمشياً مع قواعد الأخلاق الدولية قامت دولة مصر بتقديم معونات عاجلة لضحايا زلزال مدينة الأصنام الجزائرية الذي وقع في عام 1980 رغم قطع العلاقات بين مصر والجزائر عام 1979 ) . وتتميز قواعد الأخلاق الدولية عن القانون الدولي في أن : مخالفة أحكام القانون الدولي تؤدي إلى المسؤولية الدولية . في حين أن خرق قواعد الأخلاق الدولية يؤدي إلى سخط الرأي العام الدولي . كما تتميز الأخلاق الدولية عن المجاملات الدولية في أن : خروج دولة ما على الأخلاق الدولية لا يسوغ معاملتها بالمثل , و إنما يؤدي إلى سخط الرأي العام الدولي . في حين أن عدم مراعاة الدول للمجاملات الدولية يبيح للدول الأخرى معاملتها بالمثل . لاحظ : تقع قواعد الأخلاق الدولية في مركز وسط بين القواعد القانونية الدولية وقواعد المجاملات الدولية , فهي مثل قواعد المجاملات الدولية لا تتمتع بصفة الإلزام ولا يترتب على مخالفتها أي جزاء إلا المعاملة بالمثل وهو جزاء أخلاقي بحت , كما أنها تقترب من قواعد القانون الدولي في أن عدم مراعاتها يعرض الدولة لاستهجان الرأي العام العالمي , كما يعرض مصالحها للخطر .

وكما قد تتحول قاعدة مجاملات دولية إلى قاعدة قانونية ملزمة , قد تتحول أيضاً قاعدة أخلاق دولية إلى قاعدة ملزمة , وذلك إذا أحست الدول بضرورتها وتم النص عليها في اتفاقية دولية أو بتكرار العمل بها مع الشعور بأنها ذات صفة ملزمة بحيث تصبح قاعدة عرفية . ومثال ذلك ما حدث بالنسبة لتحول قواعد الأخلاق المتعلقة بجرحى ومرضى الحرب إلى قواعد قانونية تم تدوينها في اتفاقية جنيف عام 1864 , وما حدث بالنسبة للمبادئ الخاصة بمعاملة أسرى الحرب التي تضمنتها اتفاقية ” لاهاي ” عام 1899 . ج-القَانُونُ الطّبِيعِيّ ( القَانُونُ الدّوْلِيّ الطّبِيعِيّ ) : يدل القانون الطبيعي على القواعد العامة الأبدية المثالية التي توحي بها مبادئ العدالة والإنصاف وتقتضيها طبيعة الأشياء , ومن المستحسن أن تخضع لها الأمم كافة لأنها توجه هذه الأمم إلى ما فيه خيرها وصلاح حالها , وهي بهذا تغدو المصباح الذي ينير الطريق أمام المشرّع على الصعيدين الوطني والدولي إلى ما فيه خير المجتمع وفلاحه . ويتميز القانون الدولي عن القانون الطبيعي في أن : قواعد القانون الدولي ملزمة لأنها وضعية . في حين أن قواعد القانون الطبيعي غير ملزمة لأنها غير وضعية . وتعود جذور فكرة القانون الطبيعي إلى العهد الروماني , وقد مرت منذ ذلك الحين بمراحل عديدة تعاقبت عليها عوامل الانتشار والازدهار والضعف والانحسار , ويعزى ذلك إلى استخدام كلمة “طبيعي” بمعانٍ متباينة , مما أثر في مفهوم القانون الطبيعي في العصور المختلفة ولا يزال يؤثر فيه في مختلف اللغات . كما أن المعاني المختلفة للقانون الطبيعي تمتزج و تتداخل مع سواها , فيراد به أحياناً المعاني الخلقية والفلسفية والدينية وحتى السياسية , مما يجعل من القانون الطبيعي مفهوماً متطوراً غير ثابت . غير أن هذا لا يعني بأن لكل أمة قانونها الطبيعي الخاص بها , لأن هناك قاسماً مشتركاً يجمع بين الأفكار والمبادئ والأسس القانونية لجميع الشعوب المتمدنة قديمها وحديثها …. و بهذا المعنى يرتبط مفهوم القانون الطبيعي ارتباطاً وثيقاً بالعدالة فيغدو بذلك مثلاً أعلى تتطلع إليه المجتمعات في كل الأزمنة وتسن القوانين الوضعية قدر الإمكان على غراره . ملاحظة : قواعد القانون الدولي الوضعي لها أولوية على قواعد القانون الدولي الطبيعي حيث أن الأولى تتمتع بصفة الإلزام ويترتب على مخالفتها جزاء , أما الثانية فلا يجوز تطبيقها إلا عند الاتفاق على ذلك . لاحظ أن : وجه الخلاف بين القانون الطبيعي والقانون الدولي هو أن الأول ( أي القانون الطبيعي ) يعتبر تعبيراً عن المثالية الدولية التي يجب أن تكون عليها علاقات المجتمع الدولي , أما الثاني ( أي القانون الدولي ) فهو تعبير عن واقع الحياة الدولية بصرف النظر عن مدى تطابق هذه الواقعية مع اعتبارات العدالة .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :