الطريق إلى البيت

الطريق إلى البيت

الأمجد بن أحمد إيلاهي

أكملتُ يوم السبت من شهر رمضان في المدينة البائسة وكان آخر يوم دراسة في ذلك الثلاثي البارد . اقتربت من المعلم بعد خروج التلاميذ وسألته ببلاهة “سيدي: أنا نجحت والا لا؟” ، أجابني ببرود دون أن ينظر إلي ” تو تعرف بعد العطلة”. ارتجفتُ، ودخل الشك في نفسي وارتبكت حد التلعثم ثم قلت “باهي، بالسلامة سيدي” وخرجت من الفصل إلاّ أن صوته القويّ أعادني إليه ركضا فسألني أين أقطن فأجبته بلطف “في الصخيرات” فقال لي” لماذا تسأل عن النتائج؟” فقلت له لأن أمي أوصتني أن أسألك قبل عودتي إلى البيت، فابتسم وأجابني “لا تخبر زملاءك، لقد نجحتَ”.

كان في جيبي” دينار” العادة ثمن النقل إلى موطني، ولكن كلماتها الودودة قبل أسبوع مازالت ترنّ في أذنيّ “إذا استطعت أحضر معك ورق الملسوقة”. لم أفكر مطلقا لأن الخطة جاهزة في رأسي، سوف أشتري ما طلبت وأقطع المسافة مشيًا على الأقدام! وانطلقتُ.

في آخر نقطة البنايات، لاحت لي قامات صغيرة في حجم قامتي وكلما اقتربت تبينت الملامح أكثر، أطفال ينتظرون السيارات للعودة إلى ديارهم البعيدة. لكني ألقيت تحيتي وواصلت المسير. ركضت في البداية مسافة غير قصيرة حتى التحقت بآخرين عائدين مثلي فتسلينا بالكلام وفي كل مرة تلحق بنا سيارة تنطلق منها أصوات زملائنا ساخرين منا بالتصفير والصياح. وفي كل مرة ينفصل واحد منا عن المجموعة ليأخذ طريقا ترابية توصله إلى منزله حتى بقيت وحدي.

أمشي محاذرا سيارات التهريب، ممسكا بحجرين في يدي مهابة خروج كلب أو ذئب أو جني وأحث الخطى. في طريقي أصبت بتعب وعطش ولكن لا مناص من مواصلة المسير، التقيت بشيخ يرعى أغنامه فسألته عن الساعة فأجابني “الرابعة” فذهلت !. اذا أنا أمشي منذ أكثر من ثلاث ساعات وما ظهر بيتُنا بعد!. وخفت من الوقت ومن عدم الوصول قبل آذان المغرب وقبل أن أعطي لأختي حاجتها، فأسرعت بالركض فوق نباتات الحلفاء تاركا الطريق ومعولا على اتجاه الجبل الذي أحس دائما أنه يفتح حضنه ممسكا عنا الشرور والريح. وحين تجاوزت التلة الكبيرة رأيت البيت، وبيوت عمومتي والأشجار التي أعرفها كراحة يدي فنسيت التعب و واصلت الركض دون توقف. آنذاك، اعترضني كلبي قبل الجميع ينبح ويحرك ذيله يمينا وشمالا مرحبا بصاحبه فعانقته وتدحرجنا قليلا على التراب ثم مسحت أدباشي و واصلت المشي حتى رأيت أمي من بعيد واقفة تنتظر!

صاحت قبل وصولي إليها بمسافة “هل نجحت؟” فقلت “نعم “لكن صوتي لا يصل فبدأت يداي تلوحان لها من بعيد حتى التقينا وكانت تشاركها أختي الكبرى في استقبالي فمددت لها الكيس الصغير وقلت “هذه أوراق الملسوقة”، وكانت تنظر إلى حالتي المزرية ففهمت كل شيء فاطلقت صوتها للبكاء. أمي نهرتْها بقوة، وأمسكت بيدي قائلة” أهم شيء أنك نجحت! ” أما الكلب فقد جلس القرفصاء يراقب كل ما يجري دون نباح.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :