الطريق إلى سبها

الطريق إلى سبها

الدبلوماسي : محمد العكروت

الرابعة التكوين الديموغرافي في الجنوب يتجه اتجاهاً خطيراً ، فمنذ ثلاثة عقود وبضع سنين ، بدأت الهجرات الأفريقية تغزو البلاد بشكل ملحوظ ، وأصبحت السيطرة على الحدود مع الدول المحيطة بالبلاد مهمةً عسيرة صعبة ، تنوء بها الدولة وتعجز عن التحكم فيها. التحول الديموغرافي في الجنوب يظهر بصورة واضحة في سبها ، أكثر من أي مكان آخر في الجنوب ، وهذا ما لاحظته واضحاً فيها. هذا الموضوع يعتبر هاجساً لدى أبناء الجنوب عامة وسبها خاصة ، حيث نتيجة هذا التغيّر الديموغرافي كانت تغييراً في الثقافة والعادات والقيم داخل سبها والجنوب ، لعل ما يمكنني ضرب مثال به هو انتشار الجريمة بشكل مرعب ، من قتل وسلب ونهب واعتداء ، ناهيك عن اللغة في الشارع التي انقلبت وانفلتت ، إلى انعدام الثقة والطيبة التي كانت فخر أهل الجنوب. هذه الملاحظة جعلتني أخصص الجزء الأسفل من حلقة اليوم لمدينة تمنهنت . مدينة تمنهنت ( ترتبط بمدينة سبها بطريق مزدوج بطول 28 كلم ) وهي ثالث مدن منطقة ( البوانيس ) الزيغن وسمنو وتمنهنت ، هي ليست بالمدينة بالمعنى الواسع ، بل هي بين القرية الكبيرة والمدينة الصغيرة ، وإن كنت أنا أحب أن أطلق عليها قرية تمنهنت وليس مدينة تمنهنت ، فتمنهنت لا زالت تملك وتحضن بقوة وحرص أخلاق وقيم القرية ، والمدن عادة تنفلت منها أخلاق وقيم القرية ، لذلك أنصح أهلنا في تمنهنت أن يتمسكوا بتصنيفها قرية تمنهنت ، فإذا تمدنت أعتقد ستفقد الكثير من مزايا القرية وستتلبس أثواب المدينة ، وهذه الأثواب لا تليق بها. تمنهنت عرفتها أول ما عرفتها وأنا أمر بها عابراً إلى سبها في منتصف الستينات ، ثم عرفتها عن طريق ( غابة الكشاف ) سنة 1970 ، حيث كانت هذه الغابة هي المنتجع المتاح حينها لكل مجموعة أو مدرسة أو أصدقاء ( للزردة ) كانت غابة من السرو والكاتشا وبها بئر ماء وجابِية ، وكنا نردها كلما أردنا التزريد ونحن في الثانوية ، ولعل ذلك ما جعل أهلها يتميزون في مجال السياحة ونشاطها. هذه المرة زرت تمنهنت وطفت فيها وزرت بعض معالمها. لا يمكن الحديث عن تمنهنت إلا ويكون الحديث عن آل الهمّالي ، فعندما طرق سمعهم أنني في سبها ، وبدون مقدمات ولا فرصة للنقاش ، جاء الهاتف يقول ( راهو بكرة العصر جايين بناخذوك ) ، حاولت التهرب ، لكن لا مناص. أخذوني إلى ( قرية ) تمنهنت ، وطافوا بي في تمنهنت القديمة والحديثة ، وزرت المنتجعات الحديثة الرائعة التي أقامها أبناء القرية بمجهودهم الذاتي ، فصارت محط أنظار السياح والعابرين ومن أراد الاستجمام والراحة والهدوء ، وهناك من أبنائها من أقام الدوائر الزراعية لإنتاج الحبوب وعلف الماشية وينتجون كميات وفيرة ، لو كانت هناك دولة لها إدارة وإرادة ، لاستغنت البلاد عن استيراد الحبوب من الخارج. قرية تمنهنت حافظت على كيانها من الغزو أو الهجوم الديموغرافي ، حافظت عليه بإصرار وعزم لا يلين ، لذلك ترى القرية بقيمها ونقائها واضحاً في تمنهنت وتعامل وتكاثف ومعرفة أهلها بعضهم بعضاً. ما أعجبني أيضا هو أن آل الهمالي خاصة ، وأهل تمنهنت قد بنوا الجديد ، ولكنهم حافظوا ورعوا القديم ، حافظوا على بيوتهم القديمة بعطر ترابها ونثرات غبارها وسواد سقف بيوتها ، زرت بيت آل الهمالي القديم الذي كان ما قبل الستينات ، وبجنبه بيتهم الذي تم تشييده في نهاية الستينات ، وبيوتهم الحديثة التي هي بعد التسعينات ، احتفظوا بثلاث مراحل من مراحل الحياة تجسد مسيرة الحياة والمعيشة في تمنهنت. يتبع بإذن الله.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :