العدالة الاجتماعية في ليبيا تحضر وتغيب

العدالة الاجتماعية في ليبيا تحضر وتغيب

العدالة بشكل موسع فضيلة من الفضائل الأخلاقية، وحق من حقوق الإنسان، ومبدأ من المبادئ الأساسية التي اتفقت كل الشرائع السماوية والوضعية على سموها، ونادت بأهميتها وضرورة تطبيقها. والعدالة أيضاً ضرورة قانونية ملحة، تنظم العلاقات والمعاملات بين الأفراد والجماعات في أي مجتمع، وغيابها يؤدي إلى حدوث الفوضى والاضطرابات وانتشارالظلم والعسف، وتختفى تدريجياً سلطة الدولة وتفقد هيبتها ويحل محلها سلطة الأقوياء.

ورغم تنوع واختلاف مفاهيم ودلالات العدالة باعتبارها مسألة نسبية، تختلف من شخص لآخر، ومن زمن لآخر، ومن مجتمع لمجتمع آخر، لكنها دائماً تعد مؤشراً مهماً يقاس به مدى تقدم هذه المجتمعات أو تأخرها. وهذا المقال يتناول العدالة الاجتماعية – رغم مفهومها المعقد والمركب – من أبسط تعاريفها، وهو إعطاء كل ذي حق حقه في ثروة بلاده ومواردها، دون أن يمس تمتعه بحقه حقوق الاخرين. فمتى تحضر العدالة ومتى تغيب في بلاد مثل ليبيا؟، غنية جداً بمواردها الطبيعية، بينما يتدهور مستوى دخل الفرد فيها بشكل سريع حتى أصبح أقرب للكفاف، خصوصاً لدى المواطنين البسطاء الذين يشكلون نسبة أكبر من عدد السكان، هذه النسبة التي لم يتم تحديدها بشكل دقيق في غياب منظومة تعداد موثوق بها، وصارت تتمنى أن يكفيها دخلها فقط لشراء وتوفير الطعام والشراب، وتغطية تكاليف أجر مسكن صحى تتوفر فيه الاحتياجات الرئيسية من كهرباء ومياه وغيرها.

تحضر العدالة عندما تعترف مؤسسات الدولة الليبية الحاكمة بشكل صريح وقاطع في دستورها وقوانينها، أن الرعاية الاجتماعية حق مقدس لكل ليبي، وأنها ليست صدقة من الدولة للمواطن، وأن الخدمات الاجتماعية يجب أن تكفل لكل مواطن حقه في الاستفادة منها بشكل متساو مع غيره، لا أكثر منه ولا أقل في ضوء مدى حاجته إليها، وبما يتماشى مع احتياجاته وظروفه.

تغيب العدالة الاجتماعية بشكل نهائي، لأن عدداً مهماً جداً من الليبيين لا يذهب أطفالهم للمدارس، وتغيب العدالة لأن البلاد تفتقر لأية خطة تنموية طويلة الأجل أو قصيرة الأجل، ترسمها الدولة من أجل رفع مستوى دخل المواطنين ودعمهم بالعدل والمساواة بدل الفوضى والتخبط الذي تعيشه البلاد، والذي يصب فقط  في صالح أصحاب المصالح وكبار المستفيدين من الأوضاع المتخبطة والفساد، والذين لا يمكن أن يتوقع منهم التسليم بفرضية المساواة فى الحقوق وتحقيق العدالة في المجتمع، لأن هذا يفوت عليهم فرص الاغتناء والكسب غير المشروع!!

تحضر العدالة الاجتماعية ويلمس المواطن الليبي مردودها ويتمتع بها، في حالة وجود سياسة واضحة ومدروسة، يتم من خلالها توزيع الخدمات الاجتماعية توزيعاً جغرافياً عادلاً بين كل قرى ومدن وأرياف وأحياء البلاد الليبية، وعلى أساس متين من الحقوق المكفولة والواجبات المفروضة والإمكانيات المتاحة، والتي يجب أن تستند على قانون واضح وصريح يطبق على الجميع.

وتغيب العدالة الاجتماعية وتختفي، إذا لم يتم ضمان حقوق المواطن المعنوية بشكل كامل، واحترام شخصيته الإنسانية، فليس من العدل في شى لو قامت جهة ما أو فرد ما تستند على قوة ما بإهدار كرامة الفرد المعنوية، مقابل حصوله على حقه وفرصه الكاملة في الحياة. لكنها تحضر في أبهى صورها، لو تكفلت مؤسسات الدولة بتوفير ضروريات الحياة للمواطن، ووضعت حداً لحالة الخوف والفقر والمرض والجهل والحرمان، التي يعيشها بعض الأفراد في المجتمع. فتتخلص بذلك ليبيا من إشكالية وجود طبقات فاحشة الثراء، وطبقات أخرى تعيش في فقر مدقع، وهذا لن يتم إلا بتوزيع ثروات البلاد على أساس من الإنصاف والعدل والمساواة.

نشر في موقع هنا صوتك

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :