الغموض والرعب يلف قضية اختطاف المعلم وائل بسبها !!!

الغموض والرعب يلف قضية اختطاف المعلم وائل بسبها !!!

قصة صحفية :: نزيهة عبد الله 

كان عليّ التواصل مع صديقتي معلمة الرياضيات منى لنتفق سوياً على الذهاب إلى مدرستنا مطلع الأسبوع القادم متأخرين عن موعد التحاقنا المعهود بها كمعلمات ، ففي ظل الظروف الراهنة من انعدام للسيولة ، وشح وقود السيارات ، ستكون منى رفيقة رائعة ونحن نجوب شوارع مدينتنا سبها باتجاه المدرسة الواقعة في حي القرضة أكبر أحياء المدينة ، بطبيعة الحال سينتابنا شيء من الخوف الممزوج بالحذر ، وحتما سنتخلى عن حقائبنا اليدوية حتى لا نتعرض لعملية سطو ، فكرت في ترك هاتفي الآيفون في البيت والاستعاضة عنه ( ببيلة ) أمي المتهالك ، حتى لا أكون لقمة سائغة للسيارات المعتمة . بعد عدة اتصالات من طرفي جاءني صوت منى الهادئ كسيرا وقد اختلطت دموعها بكلماتها قائلة ( خطفوا سلفي وائل ) لتكمل وطالبونا بفدية تصل إلى 15 ألف دينار ليبي وأنت تدركين وضعنا المادي الصعب ، يا الله كيف حدث ذلك .

خرجت مسرعة من غرفتي أخبرت أمي وأخي الوحيد وتوجهنا لبيت زميلتي الواقع في حي سكرة أحد أحياء مدينة سبها العتيقة كان البيت يعج بالجيران وكأن كارثة حلت بهم ، بل وكأن قريبهم قتل ولم يخطف استقبلتني منى الطيبة من وراء دموعها السخية عانقتها محاولة التخفيف عنها لكن بلا جدوى . حدثتني بعد أن هدأت قليلا ، خرج وائل شقيق زوجي الأصغر صباح الأمس متوجها للمدرسة التي يعمل بها معلما في مادة الرياضيات ” سلفي من مواليد 1886 دمث الأخلاق ، لكنه لم يعد أبداً حتى وقت متأخر من الليل كان هاتفه خارج نطاق التغطية . تغيرت ملامحها فجأة وسيطر الخوف على محياها لتكمل في صباح اليوم التالي تلقى زوجي اتصالاً هاتفياً من رقم مجهول الهوية أخبره أن أخاه محتجز لديهم وأنهم يريدون خمسة عشر ألف دينار ليبي لإطلاق سراحه ، وإلا فإن الموت مصيره ولن يأخذ منهم الأمر كثيرا من الجهد فهو ليس الأول ولن يكون الأخير . كما أن حكاية صديقتي منى وشقيق زوجها المخطوف هي امتداد لقصص سابقة عديدة ، ففي مدينتنا نسمع يومياً بل ونشاهد قصص الخطف مقابل دفع فدية دائماً ما تكون مجزية وضخمة وحكايات التصفيات والقتل على لا شيء أحيانا !.

حاولت تهدئة منى لكن هيهات أنا أيضا تسرب لنفسي الكثير من الخوف حاولت التظاهر بغير ذلك حتى لا أزيد من وجع صديقتي المنكوبة بفقد عزيز لا تدري عن مصيره شيئاً استرجعت كل قصص الخطف التي تعرض لها الجيران والمعارف والأقارب ، وعشت تفاصيلها القاسية بيني وبين نفسي مجددًا ، عم هدوء مريب بيننا بعد ابتعادنا عن تجمهر الجارات ولم يوقظنا من شرودنا إلا رنين هاتف منى الذي جعل وجهها يزداد احمرارا ورعبا لترد على محدثها وماذا سنفعل الآن وتعاود الرد عليه طيب حاضر ثم فجأة أقفلت هاتفها . سألتها بقلق هل من جديد أجابتني برعب علينا مغادرة البيت فورا ، بعجلة خرجنا لبقية الجارات جهزنا ما خف حمله وارتفع ثمنه والحقيقة لم تكن صديقتي تمتلك شيئاً ثميناً سوى أطفالها الخمسة الصغار . الهُرُوب إلَى حَيّ عَـبْـدُ الْْـكَـافِي همست لي أنها ستغادر بيتها لمنطقة ( حي عبدالكافي ) عند إحدى قريباتها وأن محدثها كان زوجها أحمد الخاطفين يصرون على أن يصلهم المبلغ كاملا وإلا فإن الدور سيأتي علينا جميعاً هددوا بخطف أحمد أو أحد أبنائي أو قتل سلفي ودخلت منى في نوبة عويل حار وصراخ يقطع الفؤاد لم نملك أنا والجارات إلا مشاركتها في بكائها وذاك أضعف الإيمان . ساعدنا منى على لملمة أشيائها اتصلت بأخي وأخبرته بما حدث ورافقناها لبيت قريبتها ، تركناها هناك وعقولنا معها ظللت على تواصل دائم معها على مدار 24 ساعة نصحتها بإبلاغ الجهات الأمنية لكني كنت أدرك في قرارة نفسي أن الجهات الأمنية في المدينة أضعف من أن تفعل شيئاً والشواهد عدة فكم من مخطوف وكم من محتجز وكم من مقتول ظل مصير أغلبهم مجهولاً وكم من عمليات السطو التي تتم جهارا نهاراً أمام مختلف الجهات الأمنية .

قطع حبل تساؤلاتي صوت رنين هاتفي وتراقص على شاشته الصغيرة رقم منى سارعت للرد عليها جاءني صوتها المرعوب متلعثم الأحرف ولم أفهم منها إلا أن الخاطفين كشفوا أمر هروبها من بيتها وقاموا بتهديدها مجدداً لكنهم مازالوا مصرين على المبلغ الذي لم يتمكنوا من تجميع ربعه

تَـجْـمِـيـعُ جُـزْء مِـنَ الْـفِـدْيــَة

وأضافت : أنا خائفة جداً على أبنائي ، لتسألني هل تعتقدين أنهم قادرون على الوصول إلينا هل تعلمين أنهم أخبروا أحمد اليوم باسم أقاربنا الذين نقيم لديهم حاليا وأخشى أن نكون سبباً في أذيتهم. حاولت التهدئة من روعها بكلمات سمعت الآخرين يرددونها في مواقف مشابهة والحقيقة كنت أيضا بحاجة لمن يهدئ روعي تواصلت مع أخي الذي أخبرني أنه على تنسيق مع أحمد زوج منى وأنهم بدؤوا في تجميع جزء من المبلغ .

مر يومنا ثقيلاً والحقيقة كان أطول مما ينبغي كنت بين الهينة والأخرى أعاود الاتصال مجددًا بمنى للاطمئنان عليها ، لكني تفاجأت أن هاتفها ظل خارج التغطية لفترة طويلة انتابني القلق الشديد اتصلت بأخي أسأله إن أصاب عائلة أحمد مكروهاً لكنه أكد لي أنهم لازالوا يبحثون عن حل وعن أناس يجمعون معهم المبلغ المطلوب الذي لا يملكه أحمد المنكوب أخبرته أن هاتف منى خارج التغطية فطمأنني أنه ربما بسبب انقطاع الكهرباء .

الْْـفَـرَار إلَى طَـرَابُـلُـس العَـاصِـمَـة

بعد منتصف الليل تعالى صوت رنين هاتفي كانت منى على الخط تبكي بحرارة حاولت تهدئته أخبرتها أنني مشغولة عليها بسبب هاتفها الذي ظل طيلة النهار خارج التغطية .فاجأتني أنها صارت في العاصمة طرابلس قالت لي خفت أن يصل الخاطفون إلى أبنائي أو إليّ شخصياً وهذا ما هددوا به أحمد زوجي وأنت تعلمين أننا غرباء هنا عدت إلى أهلي ربما أجد لديهم مأوى لي ولأولادي بعد أن استدنت ثمن أجرة التاكسي التي أوصلتني لطرابلس .

خففت عن منى وأخبرتها أن أخي وزوجها اقتربا من تجميع المبلغ وأخبرتني أنها مشغولة جداً على مصير شقيق زوجها في حالة لم يتمكنوا من تجميع المبلغ ، وحتى على مصير زوجها وأولادها . ثَـالِـثُ أيــّامِ الفَـجِـيـعَـة دخلنا في اليوم الثالث من قصة خطف ” وائل ” ولم يتكمن أهله من تجميع المبلغ ففي ظروف المدينة التي تفتقد للسيولة وفي ظروف أهله وحتى الأصدقاء يعد المبلغ كبيراً جداً ، لكن بالمقابل يظل المبلغ ضئيلا مقارنة بالمبالغ التي يطلبها الخاطفون القادمون من دول الجوار ، كفدية لأبناء الجنوب المختطفين .

لا شيء جديد ذات الأخبار التي تعودنا أخذت هاتفي وشرعت في تصفح أخبار المدينة عبر صفحات التواصل الاجتماعي علني أجد من يخفف حدة توتري وما أخفف به وجع ورعب صديقتي منى، لا شيء جديد ذات الأخبار التي تعودنا عليها كل الجرائم مجهولة الفاعلين وكل المفعول بهم معروفون بعد أن صار جزء منهم في خبر كان .

شد انتباهي خبر منشور على صفحة مديرية أمن سبها تتحدث فيه عن تمكنها من إيقاع مجرمين قاموا بافتكاك سيارة أحد التعساء في هذه المدينة إلا أنه تعرف عليهم وتوجه للمديرية ولمركز الشرطة وأخبرهم بأسماء الأشخاص فتم القبض عليهم وبحوزتهم سيارته .

سارعت للاتصال بمنى حتى أبشرها لعل وعسى أن يكون لهم نصيب من ضربات حظ المديرية التي لم يحالفها الحظ هي الأخرى في ممارسة عملها بشكل طبيعي في مدينة لا شيء فيها يوحي بالحياة الطبيعية . لكن منى كانت أسرع مني فقد بادرت للاتصال بي وبمجرد فتحي لخط الهاتف وجدتها تصرخ ، وكأنها في نوبة هستيريا حادة ، ظللت أسألها ما بك يا منى هل أصاب ” سلفك ” مكروه لا تقولي إن المجرمين قتلوه لكن صراخ منى لم يتوقف أقفلت الهاتف في وجهها لدقائق وعاودت الاتصال مجددا بها ، كانت أقل توترا أخبرتني أن الخاطفين أرسلوا لها ” رسالة على هاتفها مهددين بقتل زوجها وأطفالها الخمسة وأن هذا المصير ذاته هو الذي سيلاقيه عمهم وائل .

رَصْـدُ تَـحُـرّكَـات الخَـاطِـفِـيـنَ

أخذ الأمر منحنى خطيراً جداً ، بتهديد منى والوصول لمعلومات دقيقة عن أسرة المخطوف ورصد تحركاتهم .  لكن أخي طمأنني أنهم رصدوا أيضاً تحركات الخاطفين عن طريق التعاون مع قوة الردع ، وأنهم تمكنوا من تجميع نصف المبلغ ويبدو أن الخاطفين يفضلون المال على القتل وهذا من حسن حظ منى وأسرتها حذرني أخي من البوح لمنى بأي شيء ومن الحديث في الهاتف أيضاً ففهمت أن الخاطفين يملكون شبكة جيدة تتعاون معهم في إيصال المعلومات .

مر أسبوع على حادثة خطف وائل ظللت متواصلة مع منى المرعوبة على مدار الأيام السبعة بشكل منتظم ، ليلاً نهاراً بلا كلل ولا ملل أحاول تارة التخفيف عنها وأخرى مواساتها ، أترقب ما الذي سيحدث .

حتى دخل عليّ أخي مستبشرا لقد تمكنت قوة الردع من إلقاء القبض على الخاطفين أثناء عملية الاستلام والتسليم ، بعد اشتباك بين الطرفين وفرار أحد الخاطفين وإصابة اثنين منهم وهم الآن نزلاء في سجون الردع .

فورا أخذت هاتفي تواصلت مع منى لأزف لها هذا الخبر السعيد ، لكن صوت منى البارد أذهلني هل يعقل أن لا تكون منى سعيدة بعودة شقيق زوجها ، ردها الجاف جعلني اقفل الهاتف والحيرة تلفني ، لا أنا قادرة على التواصل مع منى مجددا ولا أنا مستوعبة ردها . لم يكن أمامي إلا أخي الذي أخبرني أن الخاطفين اعترفوا أن وائل اتفق معهم على خطفه ووعدهم بأن يقتسموا المبلغ بعد أن يدفعه شقيقه أحمد كفدية له .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :