الفضاء الدلالي في قصة (في منتصف الروح) للكاتبة هدى حجاجي أحمد

الفضاء الدلالي في قصة (في منتصف الروح) للكاتبة هدى حجاجي أحمد

  • حيدر الأديب / ناقد من العراق

ملخص القصة معطى القصة يتمثل في عشيقين تربى بينهما عهد في مواصلة لون الحب حتى اكتمال لوحته بيد ان العاشقة تتحول شعورا وتفكيرا الى ضفة العريس الغني وتترك العاشق في محنة اسئلته عند منتصف الروح التي لا يقوى على رفضها أو يتناسها انه فقط يسلم أمره لهذا المنتصف المدمر، يعود العاشق بعد رحيلها الى البحر والأفق متأملا ما جرى ومنتهيا الى ان الحب وهم مترامي لكنه مكتوم تحت موج الرغبة والأحلام وبهذا فان قصة (في منتصف الروح) تختبر جدوى الحب في مواجهة الواقع المرير وتكشف القصة المناطق الخاملة في النفس حتى بلوغ عمرها سن التجارب الحقيقية أو سن المواقف الكاشفة لها فيتبلور الموقف الحاسم الذي لا يبالي بما عاهدت عليه أو توهمت الذات انها عاهدت عليه فيكون الموقف ضابطا حقيقيا للمسافات الصحيحة في اتخاذ القرار من وجهة نظرهذه الذات وتكون ذاتها المسافات خاطئة من وجهة نظر الاخر المشارك في كأس الحياة ولكن هل تريد القصة ان تهب هذا المعطى الكمي في مدلولها أم ان هناك تدليل يشتغل خلف هذه اللوحة؟ بطبيعة الحال تريد القاصة ان تمرر قيم مشخصة في شخصياتها وتودع ايقاعات ثقافية من خلال تشكيل هذه القيم بنائيا في تنظيمات خاصة فالثابت ” ان الموضوع لا يتحكم في تنظيمه الخاص بل شكل تنظيمه هو الذي يشرط حضوره وشكل تداوله “1 السؤال الجوهري هنا ماذا تريد ان تقدم قصة تبدو لأول وهلة انها عادية جدا في المعطى بغلبة المال وأهله على أهل الهوى أو العكس فهذا مما يسكن الشاشة الثقافية بكثافة الا يمكن ان تقول القاصة وقد قالت فعلا في مختتم القصة ان اسرار الحب (تعود بالحكايا مواويل ليل وأغان للعشق وقصائد حب لم تكتمل..) تقول هذا وينتهي الأمر في مقام الجواب نقول أن الامر ليس بهذه السذاجة والسطحية فالقصة هي طريقة في تشخيص الزمن وتصريفه في سلوكيات تجر الظواهر الى المسائلة والسرد هو شاهد على وجود الأنسان في السؤال والمعنى ان القصة هي تدريب للوعي على ان يكف عن التأمل في الحياة من خلال المفاهيم المجردة بل (نصب الفعل داخلها ضمن ممكنات زمنية لا يمكن ان ترى الا من خلال ما يؤثثها من وقائع وأحداث )2 كذلك فالقصة هي استدعاء للتجربة في سياق مؤول ومتحرك نمسك من خلاله بالجماعي يمكن اشتقاق النماذج منه كي يفهم الفرد تجربته في هذا المشترك الأنساني وما التجارب الا تمثلات مشخصة يبرمجها السرد وعلى هذا فان قصة ( في منتصف الروح ) في تنويعات تنظيم موضوعها تعيد بث التجارب وفق (المعنى / الدلالة) وإعادة البث هي استدعاء لحركية القيم ضمن تجاربها لا ضمن مفاهيمها المجردة (فالمعنى واقعة ثقافية تبنى ضمن الممارسة )3في حين أن (الدلالة شيء يتوصل القارئ اليها عن طريق التوقعات والاحتمالات التي يتيحها النص الأدبي نفسه)4في محتملاته التي تقع ضمن نظام وعي مؤلفه المفتوح على انساق التلقي قصة (في منتصف الروح) هي من نمط مركب (قصة حدث / شخصية) فهي تهتم بالدوافع التي سوغت سلوك أحد شخصياتها واهتمت بحسم الحدث كاستجابة لهذه الدوافع لأن القصة كما سبق القول في صدد كشف واختبار القيم على محك لهجة الواقع المرير وان شكل التحقق السردي مرهون بنظام وعي التجربة الذهنية والشعورية وهي بهذا تترك للمتلقي أكمال نمو المشهد في فسحة شعور المتلقي زمنيا ومكانيا وموقفا مع او ضد القيمة الناتجة من بناء تصورات ابطال القصة اذ تبدأ القصة بتصوير مشهد نفسي مثقل بالأنتظار والذهاب المتكرر الى الشاطئ (بؤرة استقطاب الذكرى وقرار الرحيل ) فيتخيل المتلقي استجابة حميمية من العاشقة لكن القاصة تنحرف في تمرير القيم المتضادة موظفة أنواع الوصف في مزجيات تتطلبها بواطن ومظاهر الشخصيات فمن وصف خامل ساكن الى وصف فعال دينامي ومن وصف فعال ساكن الى وصف خامل دينامي لكن القاصة توازن بين هذه الأنواع وبين طاقة الأيحاء الشعري معتمدة التكثيف كطاقة دلالية لا تختزل بل تدفع بتعميم الرؤية بالنسبة للعاشق وهذا مطلب واعي لأن العاشقة في وضع حالم بالترف واسترخاء بعد ان حسمت امرها مع عريسها الغني في حين العاشق تلاحقه الذكريات ولا مفر الا صدمة حبيبته بما تصف من ثراء العريس ببرود تام وملون بمظاهر الحياة الغنية ان تنويع الوصف وتبادله مع الأيحاء وأحيانا عبر الحوار يحقق تشخيصا مرة يأتي مباشرا وأخرى غير مباشر وفي الحالتين يبتغي التوغل الى كشف الدوافع الخفية والظاهرة للحد الذي نرى ان التشخيص وصل لدرجة رائعة من تمثيل الحالة النفسية للبطلين ((ليس أكثر من نقطة حبر سقطت من قلمك وغمقت في أحد سطور الذاكرة) (لم يبق غير عيون لا ترد) في القصة مظهر ذكي هو (النهاية / مظهر الأقفال التام الاخباري والتصويري) 5فالنهاية حسمت بتمثيل بصري بعد ان كانت اخبارا تصفها البطلة (انحرفت إلى طريق غير الذي التقيا فيه، أفضى بها إلى هذه السيارة الفارهة.. خنزيرة سوداء.. توقفت أمامها فتح دخلت الجارية الحسناء مكبلة بخيوط حريرية رقيقة، جلست طائعة ومستريحة بجوار السيد الأنيق، انطلقت السيارة) لكن القاصة تستمر بإضافة مقطع الأقفال الذي استدعى قيم القصة بلغة شعرية مخففة يسكنها التأمل في شيوع السنن الغالبة (الوهم في بداية الأشياء ينتصر، حينها بدأت مكاشفة البحر بالأحلام الخبيثة، البحر صديق كتوم، يأخذ الأسرار للقاع، يرسل آذانه محارا إلى الشطآن تسترق السمع وتعود إليه بالحكايا مواويل ليل وأغان للعشق وقصائد حب لم تكتمل.. تتيح القصة ضمن مقولاتها واجرائيات الإيحاء والوصف فيها مشخصات تمثل الموسوعة العامة للوقائع الأجتماعية (فدلالة المحكي ذاته ليست شيئا اخر غير قدرته على رسم معالم تجربة زمنية تسكن أفعال الناس ولا وجود لها خارجها)6 بهذا الفضاء الدلالي نرى ان القيم قد استعرضت في الأوصاف والأفعال والأحالات والمواقف كتعديل على التجربة وتقديم فسحة معرفية تختبر الذات فيها قيمها وهكذا يدفع بنا السرد الى استيطان ذلك لضبط المسافات من جديد وليس الأمر تذكيرا أو رصدا لوقائع حيدر الأديب / ناقد من العراق

الهوامش ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 6-3-2-1 الشرعية وسلطة المتخيل ص92/28/20/19 4- نظرية الأدب وعلم النص / إبراهيم خليل 5- ينظر نظرية القصة القصيرة / د ثائر العذاري

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :