د :: سالم الهمالي
اختراع الفيسبوك إضافة جديدة لوسائل التواصل الاجتماعي، وبسرعة خارقة اكتسح انتشاره أركان المعمورة، أسرع بكثير مما سبقه كالتليفون والراديو والتلفزيون، فيه مزايا مبتكرة جعلت رواده بدون شعور منهم مدمنون على تصفحه آناء الليل وأطراف النهار، فالغالبية أصبحوا يفركون عيونهم عليه ويغرقون في النوم على أخباره. إلا أن هذه الوسيلة تميزت عن غيرها بأشياء لا يمكن إغفالها، فما من عاقل يعتقد أو حتى يظن أنه يتحدث مع الراديو، وحتى عجائزنا ما عدن “يتبمبكن” أمام شاشة التلفزيون، لكن الفيسبوك أتاح طريقة جعلت المتابع جزءا من المشهد، بالتعبير عن مشاعره سواءً كان ذلك بالضغط على (اللايك) أو بكتابة تعليقات بمختلف محتوياتها، كرد على صاحب الإدراج، أي أن القضية أصبحت محاكاة حقيقية يتعرف خلالها الطرفان على مشاعر بعضهما، بل كل العالم ! ليس مستغربا، وأينما كنت تقرأ الآن، أن يكون بجوارك أناس تركزت أنظارهم على متابعة شاشات هواتفهم يتابعون الفيسبوك، كل واحد منهم في واد، لا يقطع تلك الجلسة الروحانية (تلبيس!)
سوى إشعار لفظي من أحدهم تعليقا على ما لحظته عيناه: اسمع اسمع، شفت شن قال فلان؟!… أو شيء قريب من ذلك. بصورة ما، أصبح هناك حرص على عرض الذات على الجميع، ممكن يعلن عن موعد صلاة الفجر في قريته إلى حفلات الزواج والنجاح والبلاغات عن الوفيات، وكل شيء بلا استثناء. لنترك أسلوب الكتابة وجودة اللغة جانبا، لنرى مصداقية الاخبار التي تنشر على الفيسبوك، حيث نجد أنه سوق مفتوح (خرداوات وإكسسوارات) يكثر فيه الغث ويقل السمين، بلا حدود ولا رادع، تطرح أخبار بلا مصادر موثوقة ومعلومات بدون دلائل وقرائن تثبتها. بذلك انتعشت الثقافة الضحلة؛ قالوا قالوا قالوا …
في الصحافة المقروءة كان المحرر يراجع كل كلمة وحرف، للتأكد مِن اللغة أولا والمصداقية ثانيا، لكن الفيسبوك أزاح كل تلك الغرابيل، براح مفتوح لكل من يريد أن يدلي بدلوه … حتى أصبح البحث عن المعلومة المحققة والمفيدة، كالحصول على معدن الذهب أو اليورانيوم. الفيسبوك ليس ناديا ولا مربوعة، فلكل إنسان شروط لمن يدخل مربوعته أو التي يذهب إليها، لكنه أشبه بالشارع، منذ أن تدخله وأنت تصادف الكثير مما يضايقك وقليل مما يسرك، فليس باستطاعتك أن تنهر من يفحط بالسيارة أو يتجاوز علامة المرور، إلا إذا كنت أعددت نفسك قبلها بذكر الشهادتين!
وأنت تقرأ كلاما بذيئا على الفيسبوك، حاول أن تتعامل معه وكأنك في الشارع، صم أذنيك واغمض عينيك وأسرع، علك تنفذ بجلدك من الأذى المعنوي والمادي أحيانا، ومع الوقت تتعرف على مصادر الأذى، ويسهل تجنب الإساءة قبل وقوعها. حاولت كثيرا أن أجد توصيفا للفيسبوك، ولم أجد شيئًا أقرب من الشارع، لا يهم قبلنا بذلك أو لا، فهو جزء من حياتنا، يمكن أن تقلل من وجودك بالشارع أو تجلس على كرسي في مربوعتك وتتابع كما يفعل عدد كبير جدا من (الفسباكة)..