المستشارة / فاطمة درباش
القضاء العسكري يُشير إلى مجموعة القوانين والإجراءات التي تحكم أفراد القوات المسلحة تحتفظ العديد من الدول بمجموعات منفصلة ومستقلة من القوانين التي تحكم سلوك أفراد قواتها المسلحة. وتستخدم بعض الدول أجهزة قضائية خاصة وترتيبات مختلفة لإنفاذ تلك القوانين، بينما تستخدم دولاً أخرى أنظمة قضائية مدنية.
يتسم القضاء العسكري بأنه قضاء ناجز وفعَّال، رؤيته بأن يكون قضاءً راسخًا وحاميًا للعدالة وراعيًا للمصلحة العسكرية والأمنية، ورسالته هي السعي لضمان تحقيق العدالة،
ويختلف القضاء العسكري عن فرض سلطة عسكرية على المدنيين كبديل عن السلطة المدنية. فهذه الحالة الثانية تُعرف بشكل عام باسم الأحكام العرفية، ويتم إعلانها غالبًا في أوقات الطوارئ والحروب والاضطرابات المدنية. تضع معظم الدول قيودًا على الأوقات والكيفية التي يتم فيها إعلان الأحكام العرفية وإنفاذها.
أما عن الفرق بين القضاء العسكري والقضاء العادي فالأصل في التشريعات أن القضاء العادي هو صاحب الاختصاص أو الولاية العامة للنظر في جميع القضايا أو الجرائم، حيث يختص بالنظر في المنازعات العادية بوجه عام أي تلك التي تطبق القانون الخاص بفروعه، ونظرا لوجود بعض الضرورات العملية في بعض الأحيان لحاجة المؤسسة العسكرية لقضاء خاص بها فقد أوجد هذا النوع من القضاء الخاص والذي يشكل وفقا لقانون خاص به وتنحصر صلاحياته فيما ينص عليه ذلك القانون العسكري، فالاختصاص ينعقد للمحاكم العسكرية بمجرد توفر إحدى العناصر التالية: بارتكاب عسكري لفعل مجرم أثناء الخدمة، كذلك وقوع الجريمة داخل المؤسسة العسكرية، أيضًا وقوع الجريمة لدى المضيف، حالة الارتباط، حالة الطوارئ.
ويعتبر القضاء العسكري من المواضيع ذات الاهتمام من طرف المشّرع الدستوري والمشّرع العادي، كقضاء جنائي خاص نشأ وتطور مع المؤسسة العسكرية، والتي تعد مؤسسةً هامةً لدورها في حفظ أمن واستقلال الدول، ولما يحتاج العمل التشريعي فيه من دقة لتحديد نطاق اختصاصه ومنع التنازع بينه وبين القضاء العادي، وضمان الحقوق والحريات الأساسية، مع مراعاة مقتضيات حماية الدولة، والطبيعة الخاصة للمؤسسة العسكرية.
إذا يقصد بالقضاء أو القاضي الطبيعي بأنه القضاء أو القاضي الذي يحدده قانون السلطة القضائية، سواء من القواعد التي تتناول تنظيم الاختصاص القضائي باعتبارها من القوانين الأساسية التي تترجم أو تنقل أحكام الدستور الى حيز التطبيق، بل وأنها تكمله، وذلك يعني أن المشّرع يتولى تحديد أنواع المحاكم ونطاق اختصاص كل منها، قبل ارتكاب الجريمة، وبالتالي لا يجوز محاكمة المتهم أمام محكمة أو قاض لم يحدده قانون السلطة القضائية أو قواعد الاختصاص القضائي المكملة له، كما لا يجوز محاكمته أمام محكمة يكون إنشاؤها لاحقًا لارتكاب الجريمة، حيث أن عقد الاختصاص لقاضٍ معين على إثر ارتكاب جريمة يعني بوضوح انتزاع الدعوى من يد قاضيها الأصيل وجعلها في يد قاض آخر الأمر الذي يجعل في هذا الاختصاص المصطنع ما يمس استقلال القاضي الذي انتزعت منه الدعوى، وعلى مساس باستقلال وحياد القاضي الثاني الذي أصبحت الدعوى من اختصاصه، وبذلك فإن مبدأ القاضي الطبيعي يأتي مكملا ومتمما لمبدأي استقلال القضاء وحياده. ولذلك فإن مفهوم القاضي الطبيعي ينصرف إلى القاضي الذي تنظم شؤونه قوانين التنظيم القضائي وتحيطه بالضمانات التي تكفل استقلاله وعدم انحيازه ويمارس عمله القضائي طبقًا لأحكام القوانين الجنائية العامة.
بالتتبع ودراسة أحكامه نجد أن القضاء العسكري هو قضاء جنائي متخصص، وقد ظهرت الحاجة إلى التخصص في معظم القوانين الأصولية، فقد تفرع عن القانون المدني قانون خاص بالمساكن والقانون الزارعي، كما تفرع عن القانون الجنائي قانون الأسلحة والذخائر، وقانون المخدارت وقانون الأحداث، وقانون المرور وأخيراً قانون الأحكام العسكرية، وقد ميز المشرع القانون الأخير عن قانون العقوبات العام وقانون الجزاءات الجنائية ببعض المميزات والخصائص، وهذه القوانين تعد مكملةً للقانون العام (العقوبات والإجراءات الجنائية) ومنها قانون الأحكام العسكرية، ولذا يمكن الجزم بأن قانون الأحكام العسكرية هو قانون جنائي، وأن المحاكم التي تطبقه وهي المحاكم العسكرية هي محاكم جنائية، وأن الأحكام التي تصدرها المحاكم العسكرية هي أحكام جنائية وأن العقوبات التي تحكم بها هي عقوبات.
إذاً فيما يتعلق بالتنظيم التشريعي الحالي للقضاء العسكري في ليبيا، لم يسبق أن تضمنت أي وثيقة دستورية القضاء العسكري في ليبيا إلا أن مشروع الدستور الليبي 2017 نص صراحةً على القضاء العسكري في المادة133 والتي تنص على أّن: ” القضاء العسكري قضاء مختص بالنظر في الجرائم العسكرية التي
يرتكبها عسكريون، وفقا للإجراءات التي يحددها القانون، وبما يكفل ضمانا للمحكمة العادلة، بما في ذلك حق الطعن بالنقض، وفق ما ينظمه القانون”.ونظم بقانون رقم 37 لسنة 1974وتعديلاته والقانون رقم 1لعام 1999.
وهي المرة الأولى في تاريخ ليبيا المعاصر التي تتضمن الوثيقة الدستورية نصًا على القضاء العسكري، حيث خلا دستور ليبيا لسنة 1952، والإعلان الدستوري سنة 1962، والإعلان الدستوري سنة2011، من نص خاص بالقضاء العسكري، وهذا النص وفق المادة (133) من مشروع الدستور، مع وجود مادة تحظر القضاء الاستثنائي (123)، تعني عدم اعتبار المشّرع الدستوري الليبي للقضاءالعسكري كجهة قضاء استثنائي.
ومن تتبع نظام القضاء العسكري نخلص إِلَى أّن المشّرع الدستوري الليبي في مشروع الدستور الليبي 2017، قد اتجه إلى تضييق نطاق الاختصاص العسكري مقارنةً بنظيره المصري في دستور مصر، ما يشكل قيدا دستوريا على المشرع العادي، وكذا الحال بالنسبة لمقارنة اختصاص القضاء العسكري في التشريعات الجنائية العسكرية وقانون القضاء العسكري في البلدين، والتي شهدت كذلك تعديلات ضيقت من نطاق هذا الاختصاص في ليبيا.