القصة من أولها

القصة من أولها


  • عمر الطاهر

في البداية ، كان شابا يافعا يشعر بالملل ، و يشعر بالغضب ، كان كل شيء حوله يدعو للسخط ، و التمرد ، كان و رفاقه يتذكرون كلمات التميمة المحرمة ( يسقط النظام ) ، يتذكرون الجموع الصاخبة تصرخ هادرة بالهتاف ، فتنتابهم رغبة للصراخ ، تسري في عروقهم رعدة للانطلاق ، نحو الشوارع الكئيبة ، إلى الأزقة البائسة ، لينفضوا الغبار عن كاهل الكسالى ، ليقتحموا مجالس النميمة ، إلى ساحات البلاد ، و بملء جوارحهم ، منتفخة أوداجهم يصرخون ، فليسقط النظام . و لكن لم يكن هناك نظام ، لم يكن للمفسدين نظام ، ليس لديهم اسم و لا عنوان . ذهب الغاضبون إلى أقرب بئر للقرية ، و أكبر بئر ينهل منه الصالحون و الفاسدون، و وضعوا عليه حجرا ليس صغيرا ، فولول الساقي و صرخ صراخا عاليا كعواء الذئاب ، لكنه لا يشبه همهمة الثكالى ، و لا بكاء اليتامى ، و ليس كأننين الأمهات المعذبات في أروقة مشافي الجنوب الخاوية و أقسام الولادة الخالية من أي شيء إلا من فرش رثة متهالكة متسخة بآثار دماء قديمة ، كم من امرأة فارقت الحياة عليها أثناء الولادة . لمعت في ذهن الأرعن فكرة خبيثة ، ذهب لفارس القبيلة نحو هضاب الشرق و أغراه بعرض سخي إذ قال له ؛ ( لنأخذ البئر من الرعاع و نجعله قسمة بيننا ، مني المال و منك الرجال ) تبسم الفارس في رضًا و قبول ، و نظر نظرة في النجوم و همهم بكلمات مبهمة تشبه التعويذة ، فأرسل الجنود مدججين بالحديد ، تحميهم دعوات أمهاتهم المتضرعات إلى الله أن ينصرهم ، في رجاء و خوف ، و تحصنهم أكفّ رجال صالحين مرفوعة للسماء تعتريها رعشة الشيخوخة ، لا يغادرون المساجد إلا قليلا لا يملّون الدعاء . ذهب الجمع نحو مضارب القبيلة ، نحو الأراضي القاحلة ، و الخيام المتناثرة على ضفاف الأودية العطشى ، كلما مروا بقوم هللوا و كبروا ، فغادر قُطّاع الطرق ديارنا طواعية و لاذ بعضهم نحو الفلاة ، إلى الأفق السحيق ، قبل أن تراق على الأرض الكئيبة ، قطرة من دماء من فرط جذعهم . إلا بيت من بيوت القبيلة ، قالوا مالنا لا نرى جندا من قومنا يشبهوننا ، في جيشنا ، أم هو شر أريد بنا ، أم يا ترى نحن اللصوص و الأغراب و جئتم لتقتلعوا شجرتنا من جذورها ، ها أنتم تدخلون علينا بيوتنا و تسفكون دماءنا ، ألم نكن معكم في ساحات الوغى و كم قطعتم لنا من عهود ، هل جاء الدور علينا ، و يا ترى مَنْ بَعدنا؟ أيَتامى الصحراء ؟ من خلف الآكام و من ثنايا القلاع القديمة ، من إحدى الواحات الصغيرة ، تهادى شيخ جليل ينادي من وراء اللثام ، يا فرسان القبيلة ، خلوا بيننا و بين أصحاب الرذيلة، إنّا قادرون على سحقهم و محقهم و استرداد خيراتنا و مجد و هيبة القبيلة ، إنّا قادرون على ردعهم و إن كانوا عرمرما ، و لا نبتغي منكم غير ما جئتم به من السيوف و الرماح و الدروع و قليل من المؤن و ذات السروج المجنزرة ، لنطهر الوطن من الأنجاس و الأرجاس ، معا و بكم إن شئتم لا غالب بيننا و لا مغلوب ، إخوة الدم و التراب . و لكن بعد حين قليل وقعت الواقعة ، و ضجت الحناجر بالشتيمة ، و ألبسوه رداء الخيانة ، و كانوا من قبل يوقرون ذكره ، و يشهدون أنه حر شريف ، و وطني غيور عفيف . في لحظات ، تلاشى كل الود مثل الضباب ، و انطلقت سهام الخطيئة نحو صدره الضعيف ، الذي أنهكته الهموم على وطن تأذى طول سنين العمر ، و هو لا يدري حتى الساعة لمَ كل ذلك الغضب ، فقط صافح بيده اليمنى ، إخوة التراب غرب القرية ، أوَلَمْ يكفِ قليل من اللوم و العتاب .

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :