اللّغَةُ العَرَبِيّة هِيَ الفِعْلُ الْقُرْآنِيّ فِي المُجْتَمَع

اللّغَةُ العَرَبِيّة هِيَ الفِعْلُ الْقُرْآنِيّ فِي المُجْتَمَع

كتب ::  محمد عمر غرس الله

في اليوم العالمي للغة العربية يبدو التحدي الذي نواجهه كمجتمع عربي يتصاعد خاصة في المغرب العربي والصحراء الكبرى حيث الفرانكوفونية تستأسد ومنهجياته تتمكن، وبالمقابل العربية تقاوم في معاقلها عبر رجالها وعمق تمكن قرآنها الكريم في المجتمع. إن التحدي اللُغوي في منطقة المغرب العربي ليس جديداً وهو في نفس قوته منذ أن حلت فرنسا الاستعمارية غازية لديارنا، لكن الجديد والغريب هو تسليم بعض حكوماتنا ووقوعها في منهجيات السوسيولوجيا الكولونيالية بما فيها من منهجيات الأُورومركزية، والتي تتلحف بدعاوى التطوير والعصرنة وكذبة التطور، فراحت هذه الحكومات تضيق على العربية الفصحى في ديارها وتقلصها في مناهج التعليم وخاصة مناهج تعليم العلوم التطبيقية، بل ووصل الأمر حتى عزل مجاميع سكانية عن التعلم باللغة العربية والاتجاه نحو تدريس لهجات شفوية في المسائل التربوية والتعليمية على الأشهاد. إن المشروع الأُورومركزي يقوم على ضرب معامل وحدة الإرادة التي تصنعها اللغة العربية من المحيط إلى الخليج، ذلك المشروع الذي قاومته العربية الفصحى حرفاً قرآنياً في الكتاتيب والزوايا والمحاظر، المشروع الذي ابتكر حيلة اللهجات والتلهيج بعدما فشلت الفرنسية في مواجهة الحرف القرآني في دياره، فابتكرت مناهج وسرديات تصور أن العربية الفصحى هي لغة قريش وأن هذه اللغة سادت بالسيف، وأنه على قبائل أخرى أن ترفض هذه اللغة وتستعيد لهجاتها القديمة، كتمهيد – عبر الزمن – نحو لاتينية الحرف ثم الانتقال الحضاري من خانة الإسلام إلى خانة التغريب الحضاري. إن كل ذلك في مجموعه ربما لا تعيه حكوماتنا الموقرة، وهي تعامل العربية على أنها فقط لغة تواصل وليست لغة حضارة وإنتاج فكري ولغة بقاء حضاري، إن اللغة العربية رغم الاستعمار والاجتياح لازالت توحد مشاعر الأمة من المحيط إلى الخليج جسدا واحدا ومشاعر واحدة تصنعها في ذهن وعقل الناس في المنطقة تتمترس بقوة نصها القرآني وآياته البيّنات، التي قامت عليها هذه اللغة منذ يومها الأول وأمرها الإلهي الأول “اقرأ”، وهي لذلك الهدف الكبير لكل المشاريع التي تعمل على تفتيت الأمة العربية. إننا اليوم لابد أن نجاهر بثقة بوقوفنا بوعي لمواجهة التحدي اللغوي في المغرب العربي والذي لا تدركه حكوماتنا الخاضعة لضغوطات اليونسكو ومؤسسات الاتحاد الأوروبي هذه الحكومات التي تتفرج على قضم مجاميع سكانية وأطفال الأمة وإبعادهم عن العربية الفصحى لغة القرآن، إننا نقاوم هذا المد منذ 1400 عام ولابد أن نبقى نقاومه ولابد أن نستمر في مقاومته ومقاومة حِيَله وألاعيبه. إن المعلقات وخطبة قس بن ساعدة ليست حجة على العربية الفصحى، فالعربية الفصحى ككتلة لغوية هي ابنة القرآن الكريم على قامت ونطقت وقُعدت وانتشرت وهي أعلى وأرقى وأقوى من كل اللهجات المحلية التي نسختها وفازت عليها هذه اللغة القرآنية، وهي تعبير عن الفتح القرآني في العقول منذ الآية الأولى، فالفتح الإسلامي فتح للعقول، وهذا الفتح فعله النص القرآني في عقول الناس والمجتمع، هذا المجتمع الذي حاز التفضيل في أن أصبحت لغة القرآن لغته، وصيرتنا أمة واحدة، أمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، جعلت كل من يتكلم العربية في حياته قرآنيَّ الفكر والذهن والتعابير وطرائق التفكير.

إننا اليوم مدعوّون بقوة لإعلاء قيم العربية الفصحى تعليما وتدريبا وتربية، في كل مناحيها النحوية والأدبية وصورها وبلاغتها شعرا وأدبا وقصة كتابة وقراءة وتعليما، وفي الفضاء العام والشأن العام وفي الشارع العام، فالعربية الفصحى أعلى وأقوى من اللهجات المحلية الضعيفة والشفوية، وهي لأنها لغة دين وحياة وإعجاز قرآني تحمل المدلول الديني والحضاري أوامر ونواهي في متنها وفي كلماتها وصيغها، ككتلة قامت على القرآن الكريم وهي لغته هو وليست منسوبة لجد أحد أو لأصل أو جينات وليست منسوبة لحيوان منوي ما. إن العربية الفصحى لغة معجزة حية، لا طفولة ولا مراهقة ولا شيخوخة لها، هي كاملة مكملة منذ يومها الأول قبل 1440 عاما، قوية متينة سماها الله تعالى عربية بنصه ” إنا أنزلناه قرآنا عربيا” .. “إنا جعلناه قرآنا عربياً”، ” بلسان عربي مبين”، والعربي وعربيا هنا يعني إفصاحا وبيانا وذكرا من عند الله الله وليس نسباً لأحد وليس تأثرا بالواقع (قريش) الذي نزل فيه القرآن بل هي صفة وسمة منزلة من عند الله تعالى، فالقرآن هو الذي أثر في الحياة والواقع وليس العكس، وعلى الذين يقولون غير ذلك أن يستيقظوا وينتبهوا لسرديات السوسيولوجيا الكولونيالة ومناهجها، وعلى الآخرين الذين ينسبون القرآن للأصل والعرق والقبيلة أن يعوا أن ذلك محظ افتراء وجب الاستيقاظ منه اليوم، وعلى الذين يرددون ذلك أيضا ً ويمررونه أن يعوا أن ذلك افتراء مقصود وله منهجه المعروف. يارجال الأُمة الأفذاذ إن وحدتنا جسد واحد وإرادة مقاومة واحدة قائمة على وحدة اللغة وفعلها القرآني فينا وفي مجتمعنا وفي شأننا العام، والدفاع عنها عمليا هو دفاع عن البقاء الحضاري والديني والقيمي، ولا يجب أن نصمت وتأخذنا المجاملات وتهوين المسائل، فتأثير ما يجري للغة العربية في المغرب العربي سيتضح خلال جيل أو جيلين وسيكون له تأثير بالغ. وعلينا أن نستمر بمسيرة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، بنفس روح رجال الأمة الأوائل، وعلينا أيضاً أن نستمر بنفس روح عقبة بن نافع وروح طارق بن زياد وروح الشيخ الكنتي، وروح علماء الزيتونة والقيروان وطرابلس والجغبوب ومزدة، وعلماء فاس ومكناس ومراكش وتلمسان والقيروان وزويلة وغدامس وتوات وتيشيت ووادان، ونفس روح تنبكتو وكل السوق روح المقاومة التي قاومت الإسبان وفرسان القديس يوحنا طوال 70 عاما في ليبيا، وروح مقاومة الجزائريين 133 عاما للفرانكوفونية وروح مقاومة أهلنا في الصحراء الكبرى بالكتاتيب والزوايا والمحاضر. “..لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ( النحل103)” صدق الله العظيم

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :