قصي البسطامي
قراءتي لكتاب الأستاذ الصافي سعيد، المعادلة التونسية وهو أحد الكتب المهمة في أعماله الكتابية والفكرية، ويعتبر هذا الكتاب مرجعا مهما نحو رؤية مستقبلية تختص بدراسة الوضع العام والخاص لتونس لإعادة هيكلتها وبنائها والنهوض بها وانطلاقها نحو المستقبل، ربما هذا الكتاب يمثل خلاصة فكر الأستاذ الصافي سعيد لما فيه من تشريح لجثة الدولة التونسية التي باتت أن تتآكل وتتمزق وتهرم وتتقهقر نتيجة لقيادة هرمة ومتخلفة وضعيفة وعديمة الرؤيا إلى المستقبل – هكذا شعرت من خلال بكاء الكاتب بين ثنايا صفحاته وبين فراغات كلماته التي يملؤها الغضب والصرامة والاستياء من الوضع العام لتونس وهو يحاول جاهدا أن يعطي البديل عبر الاستعانة بأدوات ماركسية للتحليل والتفكيك وعبر رؤية تاريخية يتخللها الأخذ بالعبرة و الانطلاق منها نحو المستقبل اعتمادا على تجديد الحاضر الذي بات يتقهقر أمام ناظريْ الكاتب والمفكر، والمختص في دراسة الجيوبوليتيك، فهذه المادة العلمية التي تدمج ما بين الجغرافيا والسياسة ، هي الأساس الذي تنطلق منه الدول نحو فك شيفراتها ومعرفة عللها العضوية ومعالجة مشاكل الأقاليم والولايات لكل دولة والاستفادة من حدودها البرية والبحرية وتحويلها إلى جسم ينتعش قوة وينتفض بعد أن تتحول الدولة وتدرك أهمية موقع حدودها الجغرافية مع دول الجوار، إذ لا تنمو الدولة ولا تلتم إلا إذا عرفت مشاكلها الجغرافية، ورغم خطورة وقوة هذه المادة العلمية إلا أنها لم تكن قديما ذات أهمية أو مرجعية فكرية لمثقفي الماضي، ولم يعط أحد لها أهمية كبرى، حتى من الاتحاد السوفيتي الذي كان يرى أن هذه المادة هي مادة علمية فكرية نتاج للبرجوازية الإقطاعية ولا يجب الأخذ بها ودراستها ولكن مع الوقت أدركت روسيا بعد أن تفكك الاتحاد إلى دويلات صغيرة أن استرجاع الماضي السوفيتي واسترجاع الدول التي تفككت عنه وخرجت عن نطاقها لابد وأن يتم إعادته مرة أخرى تحت راية الإمبراطورية الأوراسية وعبر تحالف جديد مع الإرث الأورثوذكسي من الداخل على عكس ما كان يفعل الاتحاد السوفيتي، فالدين أصبح عاملا ليس أيديولجيًا فقط وإنما عامل استراتيجي سياسي يمكن استعماله والمضي به وبناء تلك الإمبراطورية الطموحة على يديْ رجل قيادي يعرف أهمية الدين داخل المجتمع الروسي ويعزز من تماسك النسيج الاجتماعي لكي لا يكون هناك عبء على الدولة في حلحلة أزماتها الداخلية، ويكون لها رؤية توسعية عبر خطوط الالتقاء الديني والتاريخي مع دول الجوار. ربما ذهبت بحديثي كثيرا عن الوضع الروسي ولكن ما يحمله كتاب الصافي سعيد هي عناوين كثيرة ومهمة، يبدأ بالحديث بداية عن : المعادلة السياسية (Equation Fondamentale)
إذ يقول : إن صناعة عالم آخر، عالم ما بعد الثورة، بعبارة أخرى يبدأ من هنا الخروج من الزمن الثيوقراطي إلى البيوقراطي إلى الزمن الديمقراطي، أو من الزمن الخارجي الغريب إلى الزمن الداخلي – الأهلي . إن المكان ثابت بينما الزمن متحول . هنا ندخل إلى زمن السرد ونخرج عن الدهر المطلق لصناعة الكينونة ( هيدجر ) أي ديمومة الإنسان وسيطرته وسيادته واستمراريته هاهنا، يلوح زمن الملحمة الذي يصنعه الإنسان الفاعل صاحب الرؤية في المكان الحاضن له . إنها مسيرة مكابدة ( خارجية وجوانية ) ومجاهدة مادية وتصوفية من أجل الاستمرارية، فالثورة في إحدى تجلياتها اللامادية هي عودة تلك الروح التي لا تزال تخفق من أجل الحرية، ومن أجل عالم أفضل ومن أجل الانطلاق في الزمان والمكان ، وحينما نتساءل كيف نصنع المستقبل؟ فنحن نتساءل بعبارة أخرى كيف نصنع زمننا؟ وكيف نصنع معنى لحياتنا؟ فالمستقبل هو الزمن الذي نحياه ونعيشه ولنجعل منه قيمة رياضية ومادية روحية. والزمن المتبقي واللامتناهي هو المستقبل، و كل المستقبل وهو كل ما نعتقد أنه مضى بينما هو لا يزال مسكونا فينا ومسافرا معنا. يشير الكاتب في هذا النص إشارة واضحة نحو رؤية مستقبلية يندمج فيها الإنسان التونسي بين الحاضر والماضي ويعيد خلط أوراقه ليخرج من جديد بروح جديدة وجسد جديد يلتحم فيه خارجه بداخله وماضيه بحاضره ونحو مستقبله، ينكه الكاتب عباراته المرنة والأدبية ويقفز من أرض إلى أرض ومن مجال إلى آخر ليربط كل تلك التكهنات المستقبلية عبر خبرته وفهمه للسياسة وللفكر وللثقافة والجغرافيا أيضا ليصل القارئ إلى نتاج تجربة الكاتب نفسه فهو يبدأ بالحديث ثانيا عن الثورة التونسية ثورة الكرامة ويقول فيها : لقد سميت الثورة التونسية بثورة الكرامة ولو أدركنا المعنى الحقيقي للكرامة لوجدناه في التنمية المتوازنة والمستدامة حتى أنه بالإمكان الآن أن نستبدل مصطلح التنمية بمصطلح الكرامة بما أن هدف كل تنمية هو تحقيق الكرامة، وأن كرامة كل إنسان تقاس باستقلاله الذاتي وحريته وبرفاهيته. يرجعني هذا النص إلى رؤية المفكر الاشتراكي الألماني برينشتاين إذ يقر بأن الثورة تبدأ بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وتطوير البنى التحتية وتوفير فرص العمل وتوسيع السوق لمعالجة أي انهيارات أو تناقضات داخل النظام الرأسمالي العالمي، أو ثورات تنحرف عن المسار وتصبح بلدانا تعيش قرونها الوسطى وحربا ضروسا تفتك بالمجتمع وقيمه وأعرافه وتسقط نحو القاع فلا تجد السبيل للنهوض خاصة في زمن أصبحت الدول المجاورة تجد مصالحها في الدول غير المستقرة فمصائب قوم عند قوم فوائد! يرى الكاتب أن البحث عن الحرية لا يكون عبر إسقاط الأنظمة والتخلص منها إذ الثورة الحقيقية يجب أن تصطحب معها البديل المناسب لاستمرار الدولة ولا يكون البديل إلا برؤية تنموية شاملة تحول هذا المجتمع من مجتمع تعيس يعيش الفقر والبطالة والتشرد إلى مجتمع غني بثرواته وبمستوى دخل الفرد فيه ، فرؤية الكاتب تمتد عبر الزمن رؤية تحول من 20 سنة إلى 30 سنة فهو يصوغ هذه الرؤية تحت منظار فكري نظري مستقبلي جيوسياسي بشكل كبير يكون فيه مدركا للمخاطر التي يمكن أن تتعرض له هذه الرؤية على امتدادها الزمني فهو ينتقل من خلال الاعتماد على الجيوبوليتك ويقفز من مرحلة إلى أخرى ومن مكان إلى آخر ومن مجال إلى مجال بحثا عن تكوين أسس وقواعد وتربة خصبة يمكن أن تنمو فيها هذه الرؤية وتتطور وتتحول إلى مشروع ضخم تدخل تونس من خلاله لمسابقة الأمم الكبرى. ينطلق الكاتب نحو عنونة مستفزة يكتب فيها أولى سطوره عن فوضى الربيع العربي، في انتظار ربيع آخر، إن هذا الربيع العابر قد بدأ منذ أن دخلت القوات العراقية الكويت فأثار مخاوف إقليمية كبيرة ، لم تعد فيها قضية فلسطين قضية مركزية بالنسبة للدول العربية وإنما بدأت قضايا وإشكاليات أخرى بين الدول العربية أضعفت من رؤيتها نحو تلك القضية وبدأت المشكلات منذ تلك اللحظة ، وتراجعت الديمقراطية ومعها التنمية إلى الخلف لتبدأ مرحلة أخرى اتسمت بالتفكك والضياع في منسوب ( التضامن العربي ) ما فتئ يتصاعد حتى بات حروبا أهلية عربية عربية ساخنة وباردة هنا وهناك ، وبالتالي فقد حملت الشعوب العربية ارتدادات تلك الأزمات بين الدول نحو الداخل فمنذ حرب 73 التي رفعت أسعار النفط قد قسمت العرب إلى دول غنية وأخرى فقيرة، وبدا أن المنطقة التي تتكلم بلسان واحد قديما حينما كانوا في ساحة واحدة ومعركة واحدة أصبح الوضع مختلفا الآن نتيجة لتفجر النفط عند بعض البلدان العربية وسقوط الأخرى نتيجة لعدم توافر النفط فيها فأصبحت الفروق الجوهرية بين الدول العربية هي فروق اقتصادية، وأن الكلمة واللسان والقول والفعل لا يكون إلا عبر ما تملكه الدولة من احتياطي النفط فيها وبالتالي عمقت هذه الأزمة الصراع الدائر وصعدت دول عربية على أكتاف دول عربية أخرى وأصبح الصوت المرفوع والمسموع في الجامعة العربية وفي الملتقيات والمؤتمرات وفي عصبة الأمم هي الدول التي تملك احتياطا نفطيا هائلا ، هكذا كانت البداية المؤسفة لنهاية الدول العربية وسقوط دول وبقاء دول وتحالف دويلات عربية ضد دولة عربية شقيقة! إن الكاتب يطيل الشرح في هذا الموضوع ويلخص علاقة البنوك الدولية وتدفقات البترودولار لهذه الدول الخليجية وكيف تحولت الدول الصغيرة والقطرية إلى دول مؤثرة وفاعلة في السياسة العربية ليس ضد العدو بل ضد بعضها البعض !
أيضا يتحدث في عنوان آخر ناقلا عن فريدريك أنجدال : الربيع العربي جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير، إذ يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بيكين ومعهد لندن لدراسات الطاقة أن الولايات المتحدة استخدمت انتفاضة الربيع العربي عام 2011 من إعداد وإخراج وزارة الخارجية الأمريكية وعدد من المنظمات غير الحكومية المدعومة من الولايات المتحدة وكان الهدف من الانتفاضة التخلص من بعض القادة السياسيين العرب وتأسيس نظام دمية أكثر خضوعا وتدجينا من سابق عهدها وكانت المنظمة الرئيسية وراءها هي المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات المعروفة باختصار ( ISG ) والتي تضم في عضوية مجلس إدارتها الدكتور محمد البرادعي ( المدعوم من واشنطن ومستشار الأمن الأمريكي السابق زبيجنيو بريجنسكي وريتشارد أرميتاج وكينيث أدلمان وهما مهندسا الحرب على الإرهاب في أفغانستان والعراق في إدارة جورج بوش الابن. وكما يلمح الكاتب إلى جيبوليتيك الغاز والأزمة السورية فإنه يعرض كيف تم العمل على تشكيل إرهابيين يتم دعمهم من أوروبا وتحويلهم إلى شخصيات قيادية ثورية حرة في سوريا لإزالة النظام السوري والتي تتجلى أكثر في ضوء البعد الاقتصادي للمأساة السورية فأوروبا من خلال مد جذورها نحو سوريا فهي تحارب لأجل إمدادات الطاقة وتوفر الغاز في تلك المنطقة إذ الإشكال الذي تراه أوروبا هو كيف السبيل للبحث عن مصادر للطاقة وليس دعم الثوريين أو الانفصاليين لأجل حريتهم وإزالة الظلم عنهم، فمنذ متى تهتم أوروبا بذلك؟!
يقفز الكاتب من عنوان إلى آخر يوسع دائرة حديثه ليلملم في آخر المطاف الإشكاليات التي تواجه ليس تونس فقط وإنما الدول العربية بأكملها إلا أنه ينحو في نهاية المطاف في كتابه عن تونس وعن كيفية إدارة الحكم فيها وأن الديمقراطية التونسية الحالية ليست إلا ديمقراطية هشه وضعيفة وغير قادرة على المضي فهي أكثر ديمقراطية مسرحية يمثلها برلمان فاشل وحكومة منتخبة فاشلة ودولة فاشلة لم تستطع استثمار طاقاتها ولم تنصف أضرار تلك الديمقراطية التي باتت لعبة مسلية بالنسبة لصانعيها، فيرى الكاتب أن الحنين إلى زعيم منقذ في الحكم الرشيد للدولة المهابة ليست شيئا سيئا وليس تحولا نحو دولة دكتاتورية بل إن أسطورة الزعيم نفسها كانت تتخلل الخيال العام عند البشر والمجتمعات بأكملها فالمنقذ أو مقاولة الحكم الرشيد لا تخيف ولا تعرقل الديمقراطية بل إن الديمقراطية تحتاجها في أزمنة الاضطراب والفوضى بحاجة لملئ فراغات الفوضى حتى لا تصبح بلاد الربيع العربي فوضى للفراغات، وذلك هو الدرس الذي تعلمه الإنجليز والفرنسيون والروس والذي أخذوه من إرثهم اليوناني الإغريقي القديم، إذ أن هناك إجراءات استثنائية يعمل عليها البرلمان حينما تقع الدولة في حالة خطر أمني خارجي أو فوضى داخلية إلى تنصيب رجل قيادي يمكن أن يحقق الاستقرار والتوزان داخل وخارج الدولة وهذا ما يسمى بالإجراءات الاستثنائية تتخذها الدول قديما وربما نرى في اتخاذ شارل ديغول في فرنسا وفرانكوا في إسبانيا وتشرشل في إنجلترا خير مثال على هذا.
ورجوعا نحو الدول العربية فإن الديمقراطية عند هذه الدول تنحو بها نحو الفوضى الخلاقة وبالتالي فإن احتياجها لتلك الإجراءات يكون ضروريا لسد الفراغ الداخلي للدولة، فالحروب الطائفية مثلا في العراق والحروب الجهوية والمناطقية والإقليمية الداخلية في ليبيا من ناحية نظرية خير مثال على ما قاله الكاتب ، إذ لا يوجد نسيج اجتماعي متماسك ولا توجد طبقة مترفة يمكن أن توفر الديمقراطية داخل مجتمع حر بينها وبين الدولة، فالديمقراطية لا تنمو في مجتمعات ذات أغلبية من الطبقات الأدنى، إن الحنين إلى ذلك القائد المخلص هو مخزون ثقافي مخزن في داخل اللاوعي الجمعي فهو رصيد لدى النخب التقليدية وغير التقليدية عند عجزها عن اجتياز المضايق الصعبة. ثم يأتي الكاتب للحديث عن من الحرية إلى السيادة تحولات الدولة كصانع ممتاز، فيرى بأن الدولة هي التعبير الأسمى لوجود الأمة وهي المنظم الرئيسي للأمة والحامي لها ولمصالحها وثرواتها وعلاقتها والبحث عن التوزان ومصادر النماء والسلام أو الحرب وبالتالي تصبح الدولة صلاحية الصلاحيات حسب تعبير جيلينك أي امتياز سن القوانين وبسط العدالة وإعداد الجيوش وفرض الجباية ومن هناك تكتسب الدولة المعنى الآخر للسلطة التي يجب أن تطاع طواعية.
ويرى أيضا أن الدولة مالم تنظم تنظيما عقلانيا فهي معرضة للاختطاف الحزبي مما يحولها إلى دولة قهرية للأمة تمارس الإرهاب والفساد بشتى أنواعه، وبالتالي نرى أن الأناركيين يرون بأن وجود الدولة هو تمثيل لوجود الشر المطلق على الأرض في تحولات الدولة فقد ولدت الدولة بحسب رأي باكونين من ضعف إرادة الشعب وقدرة القوي على الاغتصاب والسلب وكذلك بالحرب والغزو بالتحالف مع النزعات الدينية المتطرفة فهي التي آلت إلى تحول النظام الاجتماعي القديم إلى نظام قابع تحت سطوة جهاز الدولة ، على عكس ما يراه الماركسيون المحافظون الذين يرون أن الدولة هي آلة معدة للحفاظ على سيطرة طبقة على أخرى ويرون بأن البروليتاريا أي الطبقة المسحوقة في الأسفل هي الأفضل بتمثيل الدولة وإدارتها بدلا من الطبقة البرجوازية المحتكرة للسلطة دائما. وفي مسألة حقوق الإنسان يرى الكاتب أن هذه الحقوق ربما تكون خادعة وربما تكون لا، ولكن الجانب المظلم منها يضعه الكاتب بين سطوره ويقول : إن تلك المنظمات الحقوقية هي منظمات خاضعة للدول الكبرى وبالتالي فهي تعمل على ابتزاز الدول الصغيرة لنزع السيادة منها وإخضاعها تحت مطالبها وضغوطاتها فهو مبدأ مطاط مثله بمثل مبدأ الشعب يقرر مصيره ، فهو من ناحية نجده يقرر ومن نواحٍ أخرى يرغم على التقرير كذلك هي حقوق الإنسان وغيرها. وفي بعض شطحات الصافي السعيد عن وعي الدولة بذاتها يقول : إن أهم ما يجب أن يوضع في عقل أي دولة أو حاكم هو أن جميع تعقيدات سياسته أو عدم نضجها أو تخبطها توجد في عاصمة تلك الدولة أي في المكان الكثيف والحساس للدولة.
وهنا يلمح الكاتب إلى أهمية الموقع الاستراتيجي للعاصمة التونسية إذ العاصمة القديمة بدأت تتآكل ونتراجع مقدرتها على السيطرة على بقية الولايات أو الأقاليم وكذلك المؤسسات فيها والمحال التجارية وغيرها لم تعد قابلة لإعادة الترميم والبناء مرة أخرى ولا ننسى أن الكثافة السكانية والبناء العشوائي له دور في إضعاف إدارة الدولة وتغيير موقع العاصمة داخل الدولة وإعادة تحديد الأقاليم بخطوط طولية لا بتقسيم عرضي، وأن يكون لكل إقليم منفذ نحو الساحل يلغي تبعية الأقاليم للعاصمة ويجعل لكل إقليم القدرة على الاستفادة من الساحل البحري للدولة مما يزيد من صادراتها اعتمادا على توفير العديد من الموانئ الساحلية لتونس وبالتالي تساعد الدولة في النمو وتنويع صادراتها من زراعة وموارد طبيعية وصناعية وتحسين مستوى الدخل للمواطن وتوفير فرص عمل أكبر مع سهولة في التنقل والحركة عبر تلك الأقاليم الموزعة على الساحل بخطوط عمودية مقسمة بينها، فإن إدراك الدولة ككائن حي يجب أن يقوم على علاقة ديناميكية بين المكان والسكان كما يقول كيسنجر: إن لصناعة التاريخ والمستقبل القريب سيكون تاريخا بالنسبة للمستقبل القريب، فهو حياة تلك الدولة واستقرارها ونموها واستمرارها في البقاء أكثر، يقول وليام فبي : إن المكان المثالي هو الذي تستطيع فيه الدولة أن تسيطر عليه وتبسط فيه نفوذها ، ولكن على السكان أن يشغلوه ويستغلوه على الوجه الأكمل وهو الذي يتوزع بين مراكز القوة والجذب والإنتاج للسكان بالتعادل مع مصادر الإنتاج وكثافة العمران وحسن الإدارة والحركة والمواصلات، وهذا ما يجعل من الدولة حتى وإن كانت صغيرة وذات وحدة عضوية متماسكة قابلة للحياة وقادرة على التعاطي باحترام مع الخارج.
ملخص من كتاب المعادل التونسية – كيف نصنع المستقبل للكاتب الصافي سعيد