بقلم :: عابد الفيتوري
الفكرة القائلة بأن الرقابة المشددة على المعابر الحدودية ، وحدها يمكن أن توقف تدفق المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط هي مجرد خيال جامح .
فى الاسبوع الماضى اجتمع سبعة من القادة الافارقة والاوروبيين فى باريس لبحث سبل الحد من الهجرة غير الشرعية من شمال افريقيا الى اوروبا.. تحديات كبيرة كانت في انتظارهم ، ففي الأشهر السبعة الأولى من هذا العام نجح اكثر من مائة الف مهاجرا في عبور البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا بحثا عن حياة أفضل.
بالنسبة لأوروبا ، المهمة ذات ابعاد سياسية على علاقة بقلق الناخبين ، والحد من وصول هؤلاء القادمين الجدد يحضى بأولوية تقود الى كسب الرأي العام .. ومع ذلك ، فإن التخويف من حجم تدفقات اللاجئين يحجب الوجه الاخر للهجرة والمرتبط بتحديات طويلة الأجل ، جوهرها التنمية ببلدان المصدر .. اذ لا يمكن تخفيض تدفقات المهاجرين بصورة مستدامة ، ما لم يتم التغلب على تحديات التنمية .
ليس من المستغرب أن تركز دول الاتحاد الأوروبي بشدة على مساعدة دول العبور ، لا سيما ليبيا والنيجر ، نحو تعزيز ضوابطها الحدودية بحثا عن إصلاحات سريعة .. وان تطلب الامر اقامة كنتونات لاحتجازهم بتلك الدول .
إن نظرة فاحصة على الاقتصاد السياسي ببلدان العبور ، حيث تعتمد المجتمعات المحلية على الاتجار بالمهاجرين كمورد رئيسي للدخل والعمالة ، يجعل من الواضح أن أي انخفاض في حركة التدفق الذي يطمح قادة أوروبا للاحتفاء به ، لن يتحقق ما لم تتم معالجة الازمة السياسية في ليبيا . واستحدات تنمية حقيقية بدول الغرب الافريقي والساحل على وجه الخصوص .
وعلى الرغم من الضغوط السياسية الناجمة عن حركة المهاجرين نحو أوروبا ، والتهويل الاعلامي ، إلا انها في الواقع صغيرة الحجم على الصعيد العالمي بالمقارنة مع أعداد اللاجئين والمشردين داخل القارة الافريقية .
هناك حركة نزوح بشري هائلة من الدول الفقيرة وغير الساحلية نحو الاقتصادات الأكثر ازدهارا في ساحل غرب أفريقيا .. اذ تقدر حكومة كوت ديفوار أن 5.4 مليون من سكان البلاد البالغ عددهم 23 مليون نسمة هم من الأجانب.
وهناك نسبة كبيرة من المهاجرين الذين يتوجهون إلى أوروبا يفرون من الصراع – ولا سيما في القرن الأفريقي – أو القمع السياسي في إريتريا ، على سبيل المثال .. وحتى عندما لا يكون الصراع أو انتهاك حقوق الإنسان المحرك الرئيسي لحركة الهجرة ، فإن الضغوط الاقتصادية توفر دافعا قويا بنفس القدر .
ومن المؤكد أن التركيز على انماط الحكم والتنمية في دول العبور الرئيسية ، سيخفف من ضغوط الهجرة ويؤدي تدريجيا إلى معالجة القضايا الأوسع نطاقا على نحو أكثر فعالية .. لكن الدور الرئيسي الذي لعبته الهجرة في الاقتصادات والديناميات الاجتماعية في شمال النيجر وجنوب ليبيا يعني أن هذا لن يكون سهلا.
لقد أصبح الارتفاع المفاجئ في الهجرة مولدا لأرباح كبيرة بالنسبة للمتاجرين الرئيسيين ، وسبل عيش مدفوعة الأجر للسائقين وعمال النزل والتجار المحليين ، وأحيانا المسؤولين أيضا . ومعظمهم سيكافحون في المناطق التي طرد فيها الإرهاب السياح. ويشكل الافتقار إلى فرص كسب الرزق ، ولا سيما بالنسبة للشباب ، عاملا رئيسيا يحفزهم على الانخراط في أعمال الاتجار.
ومن المؤكد أن هناك مجالا لتحسين إدارة الحدود في ليبيا والنيجر وتشاد : فالعديد من حرس الحدود المؤقتين الليبيين لا يحصلون على رواتب الدولة ، في حين تفيد التقارير أن بعض وحدات الجيش النيجري تعتمد على دعم المهربين حتى لدفع ثمن وقود المركبات .. وسيكون من السذاجة الاعتقاد بأن تحسين مراقبة الحدود وحدها يمكن أن يعرقل طرق تهريب البشر .. ومن المرجح أن تؤدي الضوابط الحدودية الأكثر صرامة إلى دفع المهربين إلى طرق نائية ، وسوف لن تزيد من أرباحهم فحسب ، بل ستزيد من المخاطر التي يتعرض لها الأشخاص الذين ينقلونهم.
وفي غياب تنمية أوسع نطاقا ، قد يؤدي تعطيل تدفق المهاجرين إلى نتائج خطيرة غير مقصودة . اذ إن الاقتصاد غير المشروع يساعد ، في نواح كثيرة ، على استقرار النيجر ، ويبقى مثار قلق توجه الشباب العاطلين عن العمل إلى الجماعات الجهادية التي يمكن أن توفر لهم لقمة العيش .
يعتقد كثير من الليبيين وأهل الجنوب ” فزان ” على وجه الخصوص ، أن البلدان الغربية تريد ببساطة جعل بلادهم أرضا للتخلص من المهاجرين ؛ في حين ينظر السكان المحليون في النيجر إلى القوانين التي تجرم التهريب ، بأنها املاءات يفرضها الضغط الدولي ، وناجمة سياسة تمييزية تهدف إلى تدمير سبل معيشتهم .
إن نهج المعاملات الذي يتبعه الأوروبيون يعد نهجا ضارا على كل المستويات ، فقد اتضح مؤخرا من خلال ما اقدمت عليه إيطاليا من استئجار المتاجرين في مدينة صبراتة الى تحويل تدفقات الهجرة إلى شريحة مساومة تشجع الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية على حد سواء على التلاعب بالتدفقات.
إن الفكرة القائلة بأن ليبيا الساحلية يمكن أن تكون خط المواجهة للمحاولات الرامية إلى الحد من الهجرة غير القانونية هي معيبة بشكل واضح . غير أن اقتراح الرئيس ماكرون بدفع التدخلات إلى الداخل هو أيضا إشكالية. وقد رفضت تشاد فكرة أن دول الساحل يمكن أن تستضيف مراكز معالجة اللجوء ، في ظل مخاوف من أن تصبح هذه المراكز مجرد ” نقاط ساخنة ” للأزمات.
ولا يزال هناك العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية التي يتعين التصدي لها. وإلى أن يتم ذلك ، سيظل النهج الأوروبي معيبا يندر بالفشل.