بقلم :: أحمد عويدات
هي إحدى الآليات الدفاعية الطفولية العاجزة التي نتجت عن التركيب المعرفي و المفاهيمي المغلوط لدى المسلمين العرب , و الذي يسعى إلى تعليق العجز في سوء الأوضاع و المعيشة على سبب خارجي أو شخص آخر , و مهما تعددت المسميات يبقى دور البطولة لما تسمى نظرية المؤامرة على الإسلام .
نتاج هذا الهوس برز في مجتمعنا و حضارتنا الخاسرة للحرب ,باعتبار أن ذواتنا كانت ذات أهمية عظيمة في العالم لهذا تم تدميرها , هنا تم تشكيل هذا المسمى في الاعتقاد الجماعي متعلقين بهوس الاضطهاد , أو الذهان المركز.
المعتنقون لهذه النظرية في دولنا العربية المسلمة ليس عليك البحث عنهم , بل ستلتقي بهم في المقاهي و على قارعة الطريق , خلال متابعتك للتلفاز أو حتى استماعك لصوت الراديو.
تراهم يناقشون التأثيرات الخارجية عليهم , و هم لا يدركون حتى أبسط حقوقهم أو حتى أدنى معرفة لحقوقهم و دساتير دولهم ( إن وجدت) , بل ستجدهم يتقاتلون على تفسير خبايا البيت الأبيض !!!.
الشعوب العربية بارعة في حبك هذه الروايات و تبني هذه النوعية من التفكير , و السبب السائد هو الخمول الفكري و الخوف من النقد الذاتي و خشية التغيير .
لماذا لا نسأل أنفسنا لم لم تنجح نظرية المؤامرة على ماليزيا و تركيا و كوريا الجنوبية و الهند رغم كونها ليست إحدى دول الغرب الصليبي ؟
هذه الدول التي بدأت مزاحمة الدول العظمي اقتصادياً و علمياً على مستوى عال بل و أصبحت تغزو العديد من أسواقها , لا نجد أحد أفرادها يتكلم بهذه المؤامرة المزمعة عليهم , بل نجد نسبة لا بأس بها من الهنود تتقلد مناصب رفيعة في أكبر الشركات الغربية , فهل يصلح هنا القول إنها مؤامرة هندية ضد الدول الغربية ؟
إيمان شعوبنا المطلق بوجود مؤامرة على ديننا و وجودنا يمنعها من مراجعة نفسها و معرفة أماكن الخطأ و مراجعته و إصلاحه و إنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد دخولها حتى في حروبنا الطائفية و اتفاق الجميع على أن الطائفة المعادية له مدعومة من الغرب لإسقاطه.
لدى العرب قوة تدمير ذاتية هائلة لا نحتاج فيها إلى عدو إطلاقاً ,نحتاج العدو فقط لنضع عليه اللوم في النهاية كنوع من راحة الضمير .
تاريخنا العربي المسلم أغلبه إن لم يكن كله مبني على هذه النظريات التي تتلون و تتنوع كما يريد الروائيون لها لكنها تصب في نفس الإطار و هو كره الآخرين و الخوف منهم , و ما هي النتيجة جهل , سذاجة , غباوة , و عداوة مع الشعوب الأخرى , أوهام قديمة تتولد عنها أوهام جديدة لدعمها و مساندتها في رحلة التخلف لاستنباط تفسيرات جديدة تنزه العرب من مسؤولياتهم .
المسألة هنا ليست مسألة وقت حتى نصبح بين مصاف الأمم المتقدمة لأن الفرصة التاريخية قد تجاوزتنا منذ وقت طويل جداً.
الشيء الذي قتل العقل العربي و عوض عنه بالنقل و قتل في الإنسان العربي أي نفس تحرري في سبيل عبوديات متعددة تبدأ من الأوهام ولا تنتهي في تحقير الذات و تقزيمها في نوع من تلك العبودية فقط , بل الانغلاق الكلي لعقولهم خوفاً من مؤامرة الفكر و أبلغ مثال على هذا الفكر هي نظرية زغلول النجار التي سعى من خلالها إلى إيهام المسلم أنه باكتفائه الشعوب العربية بما كان عليه العربي المسلم قبل أربعة عشر قرناً فإن الغرب الصليبي الكافر لن يستطيع مقارعته.
أو أبو أحمد الغزالي الذي يرى الفلسفة أنها زندقة , و الزندقة يمكن اعتبارها مؤامرة ضد الفكر الديني الصحيح لذلك قام بتكفير جميع الفلاسفة .
لقد أفلست شعوبنا منذ زمن و صار لزاماً عليها التخلي عن أوهامها و ترهاتها التي تعتنقها و أصبح لزاماً عليهم إزالة هذه الغشاوة عن أعينهم و يخرجوا من كهفهم المظلم لمواجهة هذا العالم كبشر أحرار بعقولهم بعيداً عن ربط فشلهم و خوفهم بمؤامرات لا توجد إلا في أدمغة المرضى.