الوسط الليبي الذي لم يعرفه إلا القليل

الوسط الليبي الذي لم يعرفه إلا القليل

المبروك نغماشة

    تعد زلة وهون و الفقهاء وسوكنة، وودان أهم مناطق الواحات التي تقع في صرة ليبيا ويطلق عل هذه الواحات (الجفرة) وتعريف الجفرة هي الأرض المتسعة، ويقال جفر بمعنى اتسع، ومن هذه الأحياء السكنية الموجودة في تلك الواحات واحة زلة، وعلى أطرافها الشمالية وعلى الطريق الرابط شمال شرقي زلة والمتجه إلى واحة مرادة ،يقع حي مدوين الذي يبعد عن واحة زلة أحد تلك المعالم الصحرواية الأثرية يقع هذا الحي الذي يبعد 20كم من زلة وهو يقع على يسارك وأنت متجه إلى المنطقة الشرقية مرادة البريقة  بنغازي، حيث يقع هذا المكان وتكثر به المباني القديمة وكانت مأهولة بالسكان منذ السبعينات ثم انتقل معظم أهلها إلى المدن الكبرى الساحلية مثل مصراتة وبنغازي وزليتن وربما منطقة سبها عاصمة الجنوب، وبقيت تلك المباني أثرا بعد عين، سكان مدوين ناس بدو قبل أن تبني تلك المساكن وهم مستقرون، وقبل ذلك كانوا يقيمون في خصاص، (البعض يسميها بالغرب الليبي” اكياب “وهي مبنية من جريد النخيل، وهي مساكن بدوية تشعر فيها بانتعاش في فترات الحر اللافحة وواحة زلة عامة ومدوين خاصة تكثر بها أشجار النخيل وهي تنتج أجود أنواع التمور وهذا ينطبق على كامل منطقة الواحات الخمسة، هون، والفقهاء وودان  وزلة، وسوكنة وهي من التمور الممتازة ولها جودة عالية تنافس أجود تمور العالم ، وهي كذلك تعتبر هذه الواحات منطقة رعوية ، وبها مخزون من الماء ولهذا نجد كثرة النخيل الذي يغطي مساحة هذه الواحات الأربعة، كما توجد بها ينابيع مياه تتدفق من باطن الأرض دون اللجوء إلى مضخات كهربائية، وقد سنحت لي الظروف لزيارة تلك المناطق الجميلة من واحاتنا التي يحلو فيها طيب العيش والاستقرار وبقيت بها ثلاثه أيام وشاهدت قلعة زلة الشهيرة التي ربما عاصرت العهد العثماني وما بعده واتخذها الطليان لمراقبة حركة المقاومة الوطنية في تلك الربوع الجميلة من صحرائنا ،وقد قاومت المستعمر الإيطالي، وتعتبر مدوين منطقة أثرية موغلة في القدم  إلا أن ظروف المناخ وظروف المعيشة جعلت معظم السكان يغادرونها كما أسلفت مسبقا، وتوجد بمدوين عيون مائية مثل القاسي والزوام، وخريص، والكاسح كما أن فيها مسجدا لإقامة الصلاة ومدرسة، وتعتبر هذه المنطقة الصحراوية الصغيرة مركزا لعبور تجارة القوافل مع المناطق الأخرى قبل أن تدخل حركة السيارات إلى تلك المناطقة النائية وامتدت حركة التجارة إلى دول الجوار مثل تشاد والنيجر والسودان  واسم مدوين ليس الاسم الوحيد للمنطقة فهناك أسماء أخرى مثل جنشيان وحوح، وتمسان والشعبة ولها الكثير من التسميات الأخرى أيضا التي لم تسعفنا الذاكرة إليها ولم نستطع حصرها كما توجد بين تلك المباني القديمة أزقة وشوارع ضيقة لمرور السكان وقضاء حاجتهم وتحتوي هذه الأماكن على ينابيع مائية وبعض الحفريات الأثرية الأخرى  مثل التي نراها في قلعة زلة المعروفة وكل من زار زلة لا بد وأن دخلها وزارها وأصبحت هذه الواحات وما تضمه من معالم مقصدا لكل الزوار من داخل الوطن ومن خارجه حيث يأتي إليها بعض الزوار، ولكن الأمر الذي يحز في النفس أن هذه المناطق الصحراوية ذات الأهمية الكبرى لم يهتم بها من قبل الجهات المسؤولة في الدولة وبقيت شبه مهمشة من هذه الناحية في حين أن على الدولة الاهتمام بها والاشتغال على  الدعايات لاستقطاب السياح لهذه الواحات الرائعة التي تقع في وسط ليبيا وتبعد عن طرابلس مسافة،700كم  وعن سبها 500،وعن بنغازي  تقريبا ،600كم  وعن مصراتة ربما 400 كم، أما عن باقي الواحات المجاورة لهذا التجمع السكاني الكبير هي سوكنة  والتي جعلها العثمانيون قضاء سوكنة وضمت لها ودان وهون وزلة والفقهاء، ويرجع تاريخ هذه المناطق إلى عصور قديمة منذ التاريخ الروماني وحضارة الجرمنت .ومن خلال هذه المقالة التي حاولت تسليط الضوء فيها على هذه الرقعة الجغرافية المتوسطة التي تتوسط أرض الوطن نوجه نداء إلى وزارة السياحة وكذلك وزارة الثقافة، لتوجيه اهتمامها بهذه الواحات حيث وفرة المياه وطيبة سكانها وكرمهم وحسن معاشرتهم ، ولقد قامت هذه الواحات بدورها الوطني في مقاومة المستعمر الإيطالي إبان الغزو وكان دورا محوريا في تاريخ المقاومة للمستعمر الإيطالي، وشهدت هذه المناطق الكثير من المعارك مثل معركة تاقرفت الواقعة شمال هذه الواحات ومعركة زلة 1928م، إن الحديث عن هذه المناطق يتطلب حلقات متواصلة حتى نعطي كل ذي حق حقه ولا نكون مقصرين في إبراز الكثير من الخصائص لهذه المناطق التي بقيت بعيدة عن عيون الجهات المسؤولة وتقديم الدعم المعنوي والمادي لهذه الواحات، ويسكن هذه المناطق جل سكان ليبيا رغم أننا لم نتأكد من ذلك ولكن يوجد بها أولاد رياح، والخريصات والهوانة ، والزيادين والمقارحة والجماعات والحساونة والقذاذفة، والسواكنة وغيرهم وربما حتى من سكان الساحل مثل مصراتة وكذلك بعض من سكان الجبل إلا أن هذه العائلات ليست أصيلة تلك المناطق بل هاجرت منذ سنوات واستقرت بهذه الواحات وكونت تحالفات مع سكانها الأصليين كما هو في بقية أجزاء الوطن  وتعتبر واحات سوكنة، هون، ودان مناطق منخفضة وتقع بين دائرتي 2804،  2903 شمالا   حيث تقع هون  غربي ودان  بمسافة 19كم  وشرقي سوكنة  بنحو 15 كم وهي منطقة كثيرة العيون، ولكن أغلبها ضحلة (مالحة)  وتقع ودان  شرقي سوكنة  وهون مسافة 34 كم  وتمتد جنوب سرت  270 كم  وتعتبر ودان مدينة ضاربة في القدم  وهذه أحد الأبيات قالها الشاعر ابن عامر الفالح مواليد  ،سنة 1935م حيث قال:

  زينة ياودان الشارف ***يا لمادة كل طوارف  *ويقصد بالشارف القديم، والطوارف ، هم الناس ويعود تاريخ الجفرة  حسب الوثائق  إلى مجموعة الغزالي  بسوكنة سنة  1112 هـ ،1700م حسب ما جاء في وثائق  بالوزن الأقدزي  أما كلمة الجفرة فهي في المعاجم   الأرض الواسعة وهي مستديرة ويقال جفر  بمعنى اتسع كما ذكرنا سابقا  وتحيط بالجفرة  سفوح ومنحدرات جبلية سوداء  وجبل ودان  فضلا عن  التلال الرملية  من كافة الجهات  أما سوكنة فاسمها يأتي لتحريف كلمة (سوقنا) وكان اسمها قبل هذا التاريخ  بكسر الهاء وتذكر المصادر المكتوبة للأستاذ مختار العفيف في كتابة سوكنة دراسات تاريخية  يعود اسمها إلى مكون الطوارق  والسودانيين  واشتق اسمها من كلمة سكن  واشتهرت سوكنة  بفزان في عهد أسرة محمد الفاسي بفزان 1550  ،1812م ويذكر الأستاذ  المختار العفيف  أن سوكنة وغريان  اسمان قديمان لقبيلة هوارة  وكما أشرنا سابقا أن سوكنة حرفت من كلمة “سوقنا”بالمفهوم الشعبي التقليدي  وهي مراكز لتوقف القوافل المارة عبر هذه الواحات الرابضة وسط الصحراء الليبية ثم نعود لنقول وننوه على رحلة نغم  ومن يقول الصحراء لا تنبت الذرة أقول له  لتقرأ التاريخ ولتأخذ  عبرة  فالصحراء تنبت الأخلاق والقيم  (رحلة نغم الفن الليبي ).

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :