د- احمد السيد
كل يوم تشرق شمسه يقول بلسان الحال: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزوّد منى فإني إذا مضيت لا أعود.. إلى يوم القيامة .. ” فانتبه يرحمك الله ” إنما أنت أيام مجموعة.. كلما مضى يوم مضى بعضك!…
اغتنم أوقات الخير بعد صلاة الفجر وإلى شروق الشمس وقت توزيع الأرزاق.. فاحرص أن لا توزع وأنت نائم.. والأرزاق ليست مالا فقط .. بل راحة البال رزق ومحبة الناس رزق وتيسير الأمور رزق وإصلاح الزوج/الزوجة رزق وبر الأولاد رزق فلا تك نائما عن صلاة الفجر ثم تشكو ضيق الرزق…
ومن أسباب ضياع الوقت (طول الأمل( وبينما يغرك الأمل.. يباغتك الأجل !! ومن أمثلة قطاع طرق الخير والعمل (بكرة يا عم.. هي الدنيا طارت)
نعم.. الدنيا تطير، والعمر يمر سريعا فمن علامات الساعة أن يتقارب الزمان .. قيل: تختصر المسافات وقيل: تقل بركة الأوقات يوم يسلم شهرا.. يسلم عامًا.. يسلم عمرًا.. يَا مَنْ بِدُنْيَاهُ اشْتَغَلْ * قَدْ غَرَّهُ طُولُ الْأَمَلِ الْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً * وَ الْقَبْرُ صُنْدُوقُ الْعَمَلِ وَ لَمْ تَزَلْ فِي غَفْلَةٍ * حَتَّى دَنَا مِنْكَ الْأَجَلُ
وأيضا من أسباب ضياع الوقت (الغفلة عن ذكر الموت( بعد أن دفن الميت قال أحد المشيعين لصاحبه: ماذا لو كنت مكان هذا الميت ماذا كنت تتمنى؟ قال: أن أرجع إلى الدنيا فأصلح ما بيني وبين الله قال له: ها أنت قد أعطيت أمنيتك ورجعت إلى الدنيا فأصلح نفسك.
ومن أسباب ضياع الوقت (الفراغ( والمؤمن لا يكون فارغا أبدا يقول سيدنا عمر: إني أكره أن أرى الرجل فارغا لا في عمل الدنيا ، ولا في عمل الآخرة . الفراغ يقتل صاحبه … الفراغ سبب الاكتئاب والملل … الفراغ سبب مشاكل الأزواج إذ الزوج الفارغ لا يجد ما يشغله فيركز في كل صغيرة وكبيرة لدى زوجته وأولاده فينقلب البيت إلى جحيم.. اشغل نفسك– : بقراءة القرآن قيام الليل الذكر والاستغفار نظم مكتبك ساعد زوجتك ذاكر لأولادك قص عليهم قصصا نافعة أو اخرج من حالتك فاذهب إلى مريض لزيارته.. اتبع جنارة .. او اسع على أرملة أو فقيرة.. اكسر روتين حياتك الفارغ بشغل وقتك بما ينفعك في دينك ودنياك…
ومن أسباب ضياع الأوقات (صحبة البطالين والفاشلين( فالبطالة تعدي والصاحب ساحب ومثل الجليس الصالح وجليس السوء … كحامل المسك ونافخ الكير فغيِّر صحبة الفساد والبطالة.. فالمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل صاحب الناجح.. تنجح وصاحب الصالح.. تنصلح
ومن حال الصالحين مع الوقت واغتنامه كان أحدهم إذا دخل الخلاء أو المغتسل أمر خادمه فيقرأ له حتى لا يضيع وقت غسله في غير علم وبعضهم يقرأ وهو يمشي فيصطدم بحائط فيموت وبعضهم يظل ثلاثين عاما لا يأكل بيده تطعمه أخته وهو يكتب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضهم يظل أربعين عاما يكتب كل يوم أربعين صفحة فكيف نحن مع أوقاتنا…؟ !! كم يضيع أمام المسلسلات والأفلام والمباريات والمصارعة وعلى المقاهي وأمام التليفون وعلى مواقع التواصل…؟ كم يضيع في انتظار إنهاء ورقة من مصلحة حكومية، أو في سفر، أو في انتظار صديق.. من أجمل ما قرأت من دعوات الخير في هذا الأمر: (اجعل دقائق الانتظار في التسبيح والاستغفار)
ومن أسباب ضياع الوقت (التسويف ( سوف أفعل غدا سوف أتوب أو أصلي في رمضان سوف أمتنع عن النظر الحرام بعد أن أتزوج سوف أخدم ديني بعد أن أستقر في حياتي.. ثم ماذا….؟!! ثم أنت من غفلة إلى غفلة ومن سوف إلى سوف حتى ينقضي الأجل …
قال شيخ… أنا عندي ستون عاما، ولم أنتبه لما قلت وقد ضيعت أوقات كثيرة.. فما العمل؟ لا تيأس …!! فقد قال الفضيل بن عياض لرجل: كم عمرك…؟ فقال الرجل: ستون سنة، قال الفضيل: إذًا أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله تُوشِك أن تَصِل، فقال الرجل: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فقال الفضيل: يا أخي، هل عرفتَ معناه، قال الرجل: نعم، عرفت أني لله عبد، وأني إليه راجع، فقال الفضيل: يا أخي، مَن عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع، عرف أنه موقوف بين يديه، ومَن عرف أنه موقوف عرف أنه مسؤول، ومَن عرف أنه مسؤول فليُعدَّ للسؤال جوابًا، فبكى الرجل، فقال: يا فضيل، وما الحيلة؟ قال الفضيل: يسيرة، قال الرجل: وما هي يرحمك الله؟ قال الفضيل: أن تتقيَ الله فيما بقي، يَغفِر الله لك ما قد مضى وما قد بقي. وهذه والله غنيمة باردة ” أصلح ما بقي من عمرك، يُغْفَر لك ما مضى”.
ختاما بقصة (كيس الجواهر( جلس رجل ﻋﻠﻰ شاطئ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻟﻴﻼ قبل ﺍﻟﻔﺠﺮ .. ﻓﻮﺟﺪ كيساً مملوء بالحجارة .. ﻓﻤﺪ ﻳﺪﻩ ﻭأﺧﺬ ﺣﺠرا ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻴﺲ ﻭأﻟﻘﺎه ﻓﻰ اﻟﺒﺤﺮ فأعجبه ﺻﻮﺕ الحجارة ﻭﻫﻰ ﺗﻘﺬﻑ ﻓﻰ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻓﻌﺎﺩ ﺍﻟﻜﺮة ﻣﺮة أﺧﺮﻯ وظل يقذف الحجارة ﻓﻰ ﺍﻟﺒﺤﺮ .. ﻷﻥ ﺻﻮﺕ الحجارة ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺴﻘﻂ ﻓﻰ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟرجل ﻭﻛﺎن ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻗﺪ ﺍﻗﺘﺮﺏ ﻭﺑﺪأ ﻳﺘﻀﺢ ما فى ﺍﻟﻜﻴﺲ الذي ﺑﺠﻮﺍﺭه .. ﺣﺘﻰ ﻣﺎ ﺑﻘﻰ ﻓﻰ ﺍﻟﻜﻴﺲ إﻻﺣﺠر ﻭﺍﺣﺪ .. ﻭﻗﺪ أﺷﺮﻗﺖ ﺍﻟﺸﻤﺲ .. ﻓﻨﻈﺮ ﺍﻟﺼﻴﺎﺩ إﻟﻰ ﻫﺬا ﺍﻟﺤﺠر وهو يرميه.. ﻓﻮﺟﺪه “ﺟﻮﻫﺮﻩ” ﻭﺍﻛﺘﺸﻒ أن ﻛﻞ ﻣﺎ أﻟﻘﺎﻩ فى البحر ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻛﺎﻧﺖ “ﺟﻮﺍﻫﺮ” ﻭﻟﻴست حجارة ..!!! ﻭﻇﻞ الرجل ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻨﺒﺮة ﻧﺪﻡ : ﻳﺎﻟﻐﺒﺎﺋﻰ ﻛﻨﺖ أﻗﺬﻑ ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﻋﻠﻰ أﻧﻬﺎ ﺣﺠﺎﺭة ﻷﺳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺼﻮﺗﻬﺎ ﻓﻘﻂ !!!…. ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻟﻮ ﻛﻨﺖ أﻋﻠﻢ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻣﺎ فرطت فيها هكذا !!! للأسف الشديد كلنا هذا الرجل…. وكيس ﺍﻟﺠﻮﺍﻫﺮ ﻫﻮ العمر الذي نلقي به ساعة وراء ساعة دون فائده … وﺻﻮﺕ ﺍﻟﻤﺎﺀ هو متاع الدنيا الزائل وشهواتها .. ظلام الليل هو الغفلة التى نعيشها .. ظهور الفجر هو ظهور الحقيقة .. وذلك عند الموت حيث لا رجعة …
من الآﻥ.. ﻛﻦ ﻳﻘظا!!… ولا تضيع أوقاتك وجواهرك بلا فائده .. فتندم حيث لا ينفع الندم قال تعالي ” .. حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا”
