د. جمال مرسي
قصيدة في رثاء والدي رحمه الله
ألو .. هل تُجِيبُ النِّدا يَا حَبِيبِي
أَتَسمَعُ صَوتِي ، و جَمرَ نَحِيبِي ؟
أَتَسمَعُ نَبضِي و تَنأَىَ بَعِيداً
و قَد كُنتَ بَهجَةَ صُبحِ الغَرِيبِ ؟
لِمَ اليومَ أَعرَضتَ عَنِّي ، و أُذْنِي
تَتُوقُ لصوتِكَ يُطفِي لَهِيبِي ؟
و كُنتُ إذا ما بَثَثتُكَ حُزنِي
تقولُ فِداكَ العُيونُ حَبِيبِي
وتُهرَعُ للصَّوتِ قَبلَ النِّداءِ
و قبلَ أقول ألا مِن مُجِيبِ
أحقاً رَحلتَ كَمَا يدَّعُونَ
وشَمسُكَ قد آَذَنَت بِالمَغِيبِ ؟
فَمَن ذا سَيُشرِقُ لِي كُلَّ صُبحٍ
ومَن ذا سَيَصدَحُ كَالعَندَلِيبِ ؟
ومَن ذا سَيَسكُبُ فِي مِسمَعَيَّ
أَرِيجَ الصَّباحِ و سِحرَ الطُّيوبِ ؟
ومَن ذا سَيَأخُذُنِي فِي الحَنَايَا
يُخَفِّفُ أَعبَاءَ يَومٍ عَصِيبِ ؟
يَقُولُونَ ضَمَّكَ قَبرٌ صَغيرٌ
و قد كُنتَ نَسرَ الفَضَاءِ الرَّحِيبِ
جَنَاحَاكَ مِثلُ جَنَاحَيهِ مُدَّا
بِخَيرٍ عَلَى الأُفْقِ رَغمَ المَشِيبِ
وسَاقَاكَ نَهرا لُجَينٍ أُرِيقَا
عَطاءً و جُوداً بِكُلِّ الدُّرُوبِ
يَمِينُكَ بَيضَاءُ تُورِقُ فُلاًّ
و يُسرَاكَ تَقطُرُ عَذبَ الحَلِيبِ
ووَجهُكَ مِثلُ نُصُوعِ المَرَايَا
وقَلبُكَ غَضٌّ كَعُشبٍ رَطِيبِ
أَبِي : كيفَ أَرثِيكَ يا نَبضَ قَلبِي
أَيَا لَيتَ تَفدِيكَ كُلُّ القُلُوبِ
أَيَا لَيتَ أَنِّي قُبِرتُ فِداءً
لِمَن كَانَ عِندَ السَّقامِ طَبِيبِي
ومَن أَطعَمَتْنِي يَدَاهُ الحَنَانَ
ومَن دَاعَبَتْنِي بِحُبٍّ عَجِيبِ
عَجِبتُ لِطَودٍ يُصَارِعُ مَوتاً
فَلَم يَشكُ مِن عِلَّةٍ أو شُحُوبِ
فَلَمَّا أَتَى أَمرُ رَبٍّ قَدِيرٍ
أَنَاخَ الرِّكَابَ بِقَلبٍ مُنِيبِ
وأَعجَبُ مِن بَيتِنَا لو أَعُودُ
ويَسأَلُنِي صَمتُهُ عَن حَبِيبِي
ويَنظُرُ لي بَابُهُ فِي ذُهُولٍ
كَنَظرَةِ طِفلٍ يَتِيمٍ كَئِيبِ
يَقُولُ مَضَى مَن تَحَرَّقَ شَوقاً
لِلُقيا البَعيدِ و لُقيا القَرِيبِ
ولم يُغْلِقنِّي إذا جَنَّ ليلٌ
أو افتَرَّ صُبحٌ بِوَجهِ الغَرِيبِ
سَيَشتَاطُ عُكَّازُك الغضُّ غيظاً
ويَبكِيكَ في جَيئَةٍ أو ذُهُوبِ
ورُكنٍ تَرَكتَ لَهُ الذِّكرَيَاتِ
سَيَذكُرُ وِردَكَ وقتَ الغرُوبِ
ومَكتَبةٍ كَانَ نَبضُكَ فِيهَا
تَنُوءُ بِكُتْبِ الفِرَاقِ الرَّهِيبِ
فَمَن ذا سَيَمسَحُ عَنهَا الغُبَارَ
إذا ما تَرَاكَمَ مِثلَ الكَثِيبِ
أبي : إنَّ سَلوَايَ أَنَّكَ مِتَّ
لتحيى هناكَ جِوارَ الحَبِيبِ
وأَنَّكَ لَبَّيتَ دَعوَةَ رَبِّي
بِقَلبٍ نَدِيٍّ و صَدرٍ رَحِيبِ
سَأَبكِيكَ أَبكِيكَ مَا دُمتُ حياً
وأَلقاكَ أَلقاكَ عَمَّا قريبِ
فيا رَبُّ كُن بالحَبِيبِ رحيماً
و يا جنَّةَ الخُلدِ سُكنى فطِيبي