أسماء القرقني
اتطلع إلى العريسين في شرفة الشقة المقابلة كعادتي ،اتسمر في مكاني كلما رأيتهما ، تشدني عضلاته المفتولة وبنيته القوية وقامته المديدة ،تنعشني أجواء الهيام وفوران العواطف، أشعر بشيء من الدفء عندما يدخلان إلى غرفتهما ويتركان الباب الزجاجي مشرعاً و الستار نصف مفتوح.
يسري في بيتنا برد قارس رغم الطقس المشمس، ازداد تجمداً عند سماعي صوت شقيقتي الكبرى ،توبخني كلما رأت قلم أحمر شفاه أو كحل ضمن مقتنياتي :
–ليس لنا حاجة بها، وفري المال للطعام والدواء، فات الأوان.
أقف أمام المرآة، تقابلني صورة لا تسلمني إلى اليأس، خمسينية متماسكة ، تنتشر هنا وهناك تعاريج لا تُذكر ولا تؤثر في ملاحة وجهي ،تشع عيناي بريقاً وشغفاً لا ينال منهما امتقاع بسيط
،لا يخلو جسدي من منعطفات الفتنة ولا ينتقص من جماله شيئاً طفيفاً من السمنة والترهل ، اردد في كل مرة:
(مازال هناك شيء).
ربما اخدع نفسي واوهمها لكن كلام الجارة الوحيدة التي تدق بابنا ينتشلني، يحيي ذلك الشيء في نفسي، تتأملني بعين فاحصة، تقول كلما رأتني في كامل زينتي:
–هل الرجال اصيبوا بالعمى؟ والله لا ينقصك شيء.
اخرج لنشر الغسيل ، المح العرسان في وضح النهار ، العروس تمتلك شعراً جميلاً ، ترتدي ملابس عرائسية بيضاء اللون تشبه تلك التي اشتريتها منذ سنوات ولم ارتدها ، …احدق في جسده الفارع المفتول العضلات ، يذكرني بأجسام أبطال الرياضة ، تبرز أشعة الشمس عنفوان شبابه وتضاعف توهج قوته وجاذبيته،
“آه ما اجملهما ” .
لا اسحب ناظري من هناك إلا عندما يختفيا ويتركا بابهما مشرعاً وستارهما نصف مفتوح كالعادة، اشعر بأختي تقف ورائي، تسلط نظراتها على محياي، تتأمل بلوزتي الجديدة بارتياب، تنتقد كحلي الفاحم، تطل على الشرفة لتستشف السبب في مكوثي ، تهز رأسها سلباً عند رؤيتها للعريسين، تقول في صوت حزين:
–اقتنيت الفساتين الجميلة ،قمصان النوم الحريرية ،طلاء الأظافر والشفاه بكل الألوان والدرجات ،لم استعمل منها شيئاً ، فقط كان على ان احفظ جرعات الدواء ومواعيد الحقن والمكملات الغذائية.
تمر في مخيلتي تجربة أختي الحزينة منذ أربعة أعوام ، مازال توهجها ولمعة الفرح في عينيها ماثلاً أمامي وهي تجهز نفسها للحدث السعيد ، لكنني لم أنسَ أيضاً تعابير وجهها عندما فتحت لها باب بيتنا بعد عدة شهور ترافقها حقائبها ، ولكن ،….ليس من العدل ان أضعها مقياساً، قد يكون حظي أفضل منها.
لا ينقذني من نظراتها المشفقة الممزوجة بالأسى إلا الدق على الباب ، أتفاجأ بجارتنا في غير موعدها المعتاد، على وجهها علامات البشر وكأنها تحمل خبراً سعيداً:
– ابن خالتي يريد أن يتقدم لكِ خاطباً، رجل محترم ، حالته المادية ممتازة ومناسب لكِ في العمر والمقام..
، أهم بقول شيء لكن الكلام يضيع مني ، لم يطرق بابنا خاطباً منذ زمن طويل.، لا اعرف ماذا يقال في مثل هذه المواقف ؟ ، توقعت أن أكون سعيدة ، ، لكنني لم أشعر سوى بالخوف ،اجتاحتني رهبة غريبة لم استطع التخلص منها، احتضنتني أختي بقوة،. فاضت الدموع على خديها الأعجفين ، انقبض قلبي عند سماعي صوتها المختنق بالعبرات:
– أخاف أن ….. آه ، تمم الله امرك على خير.
سرت رعشة هائلة في جسدي عند دخول الرجل يوم المقابلة ،يرتدي بذلة لا تبرز في تفاصيلها سوى عظامه الناتئة ، تكشف ابتسامته عن فم نصفه خالٍ من الأسنان ، يده المرتجفة لم تحكم امساك فنجان قهوته فاندلقت على ملابسه ، قال بعد ان هدأ انفعاله وانتظمت انفاسه المتلاحقة:
–عليك احترام اولادي عندما يجتمعون في بيتي، ان تحترمي مواعيد خروجي المقننة وووو.
لم تنطق اختي كلمة واحدة، تسمرت في مكانها بعد مغادرته ، لم احتمل لسعات عتابها الصامت الجلي في نظراتها، هربت إلى الخارج استجدي هواءً لأنفاسي المختنقة ، ، شعرت بدمعة تحرق خدي عند رؤيتي للشرفة المقابلة ….للمرة الأولى اجد الباب موصداً والستار مسدلاً لا يلوح من خلفه سوى ظلام حالك.