50 #هاشتاغ(s)

50 #هاشتاغ(s)

تَنّوَه 

مايشبه ترسب التجارب والمعرفة  

سعاد سالم

soadsalem.aut@gmail.com

هاشتاغس كل العناوين التي أرى أنها تحتاج إلى حملات شعبية غير مدفوعة إلا بإستيقاظ الوعي، أو هذا ما نويته، وأنويه!

 لا تكُن وغداً#

الإسم: بورمان (جار بالهولندية) الزمن : نهاية فبراير 2024

خلت الشقة 44، كما خلت من قبلها شقق كثيرة في المبنى الذي أقطنه، غير أن جيراني في هذه الشقة ، لي معهم حكايات وتحيات وحتى زيارات خاطفة، وهدايا وبطاقات معايدة، ذهبت فرانسين قبل 4سنوات من الآن بعدما عصت عليها الحياة مع الزهايمر، حينما سكنت ،كانت هى وزوجها مارتن، أول أشخاص يتبادلون معي التحيات  الحارة كما يجب أن أصفها، كنت مستغرقة في تنظيف مطبخي والنافذة مفتوحة، ومن وسط الإنهاك والانهماك في عملي ، تسللت تمنيات المساء الطيب وفاحت مع الصابون والواركينا، حينما توقفا للترحيب بالساكنة الغريبة، كانا أول شخصين يهتمان بالتحدث معي، ما رفع شيئا من الثقل عن قلبي، في هذه الحياة الجديدة والتي بدأتها للتو ، لم تكن فرانسين وقتها في حالة سيئة ، بل سيدة مسنة بشعر أبيض ووجه مبتسم ، وتعاملني كما لو كانت إحدى صديقات حنّاي، حين أسلم عليها ترفع يدي إلى فمها وتقبلها، فكنت أعود في لحظة إلى كل تلك الأيام القديمة، فتأكل عواطفي همي كله، أو بعضه، لم تكن السيدة اللطيفة تسألني من أين هبطت ، ولا مالسبب، بدوت كشئ ثمين ،تطمئن على سلامته،ولا شيء آخر يعنيها، لا أتذكر أنها سألتني عن اسمي، ثم ذهبت في النسيان، ولم يغب توقفها أمام نافذة المطبخ  التي تفتح في الممر حيث تفتح بيبان الشقق ، كانا مارتن وفرانسين يقطعانه بالمرتين والثلاثة في اليوم الواحد ، محشوين في سيارته الصغيرة ، ماشين أو جايين،إلى و من مكان ما، ثم ذهبت فرانسين للمرة الأخيرة ولم ترجع، لم أدعَ لحضور جنازتها، ووجعني ذلك، أما مارتن فظل رابضا في الشقة 44 وكأنها طوق نجاة،فما يفوق العِشرة بستة وخمسين عام مع فرانسين، لن يتركه ذلك وحيدا، إنه مع الأثاث القديم ،والستائر المزركشة ،والتلفاز الصغير المفتوح دائما على الأخبار أو على الصلوات، ثم هناك أواني المطبخ وماكلته المطهوة بنفس الطريقة بذات المكونات يوماتي، ثم تأتي ملابسه الأنيقة لتملأ فراغ ما ربما شعر به يوم السبت ، لأنه يصبح متأنقا ويقطع الممر ذاته الذي تقع فيه نافذة مطبخي فأسمعه يُصفّر ، ويخطو في اتجاه الأسانسير ،مستعدا لموعظة الأحد بالسترة الخضراء الغامقة مع بنطلون كاكي وسورية بيضاء ناصعة، لم أعد أذكر متى بدأ يترنح ، في بدلته السوداء البديعة، لأنه بعد سنيتن تقريبا من محاولات المشي بظهر مستقيم وقلب مفتوح على علاقات جديدة لم تنجح  ،اهمُّك فجأة، لكنه استمر في المشي بمساعدة عجلتين يدفعهما أمامه، وحافظ على طقس الأناقة قاطعا الممر إلى الصلاة، وواصل الجلوس في غرفة المعيشة طوال المساء ،فوق أريكة تفوح رائحتها بصنّة الخشب العتيق ، إنها غرفة تطل على الحديقة الخلفية للمبنى، ولكنها بأثاثها الزمني والبني الغامق بما فيها المكتبة والتحف والسجاد ومقابض الأبواب لن تمكنني من الشعور بأننا غادرنا سبعينات القرن العشرين، وبصراحة كان يعجبني ذلك، خصوصا وأن فوق النافذة التي تصنع اطلالة شديدة الاتساع على الغابة والطيور والهاي وي، وحتى النعاج والخيل، معلقة (القُصّة)، كما تُقدم لي القهوة في فناجين عتيقة من الخزف الصيني، والألوان الصامتة للسجاد والستائر لايشي بتحرك الزمن ، بعدما قرر الطبيب أنه لن يعود قادرا على تجديد رخصته، تخلى مرغما عن الرينو الحمراء الصغيرة واستسلم للتاكسي ، والأحد لمتطوعي الكنيسة بسياراتهم الخاصة،، نعم الذهاب إلى الكنيسة طقس لم يمنعه عنه سقوطه ورقاده في المستشفى ومشارفته على الموت في احداها، فهو رجل متدين، ومؤمن جدا ، بأن كل من لا يؤمن بالمسيح سيصَلى سعيرا، ذهب في رحلته الأخيرة وهو متأكد تماما من مصير الكَفَرة،حسب رواية طائفته كما حدثني الجار في الشقة 52،لكنه لطيف ياياكوب، إنه من شبك يديه لأضع قدمي وأقفز من نافذة الكوجينة حينما أقفلت بابي والمفتاح في الداخل، حينما حدثت مجزرة شارلي ابدو خطا حيث أقف قرب صندوق البريد وكانت معه فرانسين قائلا، لابأس ياعزيزتي، لابأس، وهو من أكد ووفى أن لبابه جرس متاح لي دقه day and night ، ليلا ونهارا 24 ساعة! وإنها لكبيرة من هولندي ، وكان قاده الفضول مرة عن السبعين حورية، ثم انفجرنا في الضحك، أبدو أنا أيضا لطيفة يا ياكوب، أليس كذلك؟ ياكوب الجار على يساري ،هو الثمانيني وقتها ،والتسعيني الآن، المحتفظ ببنية جسدية جيدة ،أكتسبها وحافظ عليها بالمشي اليومي 12 كم، قبل أن يتوقف الآن ، بسبب بطء نبضات القلب، ظل يراعي مارتن في الشقة 44، كما لو كان بُوه، وهو  بنفس عمره ،لكن مارتن على عكس ياكوب، إذ  يعاني الكثير من الأمراض المعتادة لمن بدأ يتوغل في العمر، ضغط ،سكّر، قلب،،وهكذا، وتضاعف الأمر عقب وفاة زوجته السيدة فرانسين والتي أرهقته ،بعدما حبسها الزهايمر فيما يشبه الذعر  لو غاب عنها زوجها مارتن وكأنه هو كل من تعرف في العالم ،ومنها وتعالى جاي وذلك حتى منتصف شهر فبراير من هذا العام ،حينما وجده مكفي على وجهه، وكانت هذه السقطة هشمت كل عناد يملكه في مقاومة الإنتقال إلى مصحة خاصة بالمسنين، إذ منذ أول توعك بعد رحيل فرانسين بعام، كان صاحب الظل الطويل الجار في الشقة 52، استمر في تفقده صباحا ومساء، يفتح معه المواضيع ويتسليان لبعض الوقت، ويتشاجران على المفاهيم والدين والله، فياكوب مؤمن، ولكنه مؤمن أكثر بأن ما يقوله مارتن عن مذهبه إنما هو خرافات، وهكذا تأتّى لمارتن ابنٌ من حيث لايحتسب، حتى أنه طبخ له الطعام إلى أن طلب منه مارتن التوقف، أين عائلة مارتن؟ لمارتن أختين،تتداولان على زيارته لما لايزيد عن الساعة كل ثلاثة أيام، هذا الرجل العنيد يتركونه للجار ياكوب، يمرون عليه في الشقة 52 ليشكروه كثيرا ،ويتصلون به لتأكيد الامتنان والمحبة، كما وأن نسيبه شقيق فرانسين يتكفل وزوجته بالتبضع له أسبوعيا، يبقيان معه لبضع ساعة، ويتركان المسن لياكوب، نعم الجار في الشقة 52، لكنهما لاينسيان دق الجرس وشكره حينما يغادران، وهكذا على مدى ثلاثة سنوات، ينظف النوافذ الخارجية للشقة 44 ويسيّق أمامها، يُخرج القمامة، يتصل به مارتن حينما يتوقف الرسيفر عن نقل الصلوات،وحينما يتعطل اللابتوب، وكلما لاح سؤال أو حلم بالسيد المسيح يأتي فوق سحابة كان ياكوب من يسمع، وكان ياكوب من اتصل بالمسعفين في آخر مرة، وهو من رأى دموع مارتن تسقط حينما غادر شقته، وشاركه البكاء، ثم اتصل بي ياكوب بعد أربعة أيام من مغادرة مارتن للشقة 44 ليبلغني عن وفاته.

حينما حضر ياكوب جنازة فرانسين بعدما دُعيَ إليها، قال لي أنه لاقى لامبالاة موجعة، أنا سعيد أنهم لم يدعُكِ، لكنه الآن موجوع من أن تلك العائلة الممتنة لم تدعُه ُللجنازة، فالطائفة المنغلقة تلك لا تتقبل أن يكون بينها من يُدخل الأغراب.

_____ ربما علينا التفكير، ماذا يجعل اللطفاء أوغادا، هل هو تأثير الجَمع الذي ينبذ من لايمحو شخصيته في الكيان المنتمي إليه؟في رأيي كن وحيدا ولاتكن وغدا منتميا أيها الإنسان، وهكذا:  دير الخير وانساه ،ودير الشّر وتفكّره، صُدقت حنّاي

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :