قالت صحيفة “ليبيا هيرلد” إن الشهرين اللذين مرا منذ وصول فايز السراج إلى القاعدة البحرية في طرابلس، لم يسفرا إلا عن مكاسب ضئيلة، وحكومة الوفاق الوطني حتى الآن لم تؤت بأي ثمار. وأضافت أن الرابح الوحيد، هو الدول الغربية التي تريد دعمًا سريعًا، من أجل القتال ضد داعش في سرت، واتفاقا للحد من الإبحار والهجرة غير الشرعية، انطلاقًا من ليبيا، بينما لا يزال الليبيون، عالقين في أعماق المستنقع السياسي. وفي الثلاثين من مايو، بشرت ليبيا بوصول فايز السراج من تونس، هو ومجلس الرئاسة التابع له. ومع وصوله، جلب السراج الكثير من الأمل والترقب لليبيين الذين يعيشون في حالة من النسيان منذ صيف العام 2014، عندما قامت الميليشيات المدعومة من قبل المؤتمر الوطني العام بقيادة صلاح بادي، الذي انطلق من مصراتة وقاد عملية “فجر ليبيا” ضد ميليشيات الزنتان في طرابلس.
غزو الميليشيات أدى إلى تدمير جزئي لناقلات تخزين النفط في طرابلس على طريق المطار، وتدمير الكثير من أسطول طائرات ليبيا، التابعة للخطوط الجوية الليبية والأفريقية، فضلاً عن التدمير الكامل لمطار طرابلس الدولي. وأدى هذا الغزو أيضًا، إلى تدمير الديمقراطية والشرعية السياسية في ليبيا، كذلك العقد الاجتماعي المبني على الاتفاق الدستوري الانتقالي في أغسطس 2011، وانتخابات العام 2012، وإلغاء نتائج انتخابات مجلس النواب العام2014، بحسب الصحيفة التي لفتت إلى أن “انقلاب فجر ليبيا ترك الجراح في نفسية الجماهير الليبية، التي لا تزال تتصارع مع دولة القذافي العميقة وعدم وضوح رؤية جديدة لدولتهم”. ونوهت إلى أن الميليشيات والمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، أقاما جمهورية هشة، فشلت حكومتها بالعاصمة في الحصول على أي اعتراف دولي. وبعدما خسر برناردينو ليون ولايته كمبعوث خاص للأمم المتحدة، وعين مارتن كوبلر كرئيس جديد لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بدلًا منه في نوفمبر 2015، لحشد التأييد لتوقيع على الاتفاقية السياسية الليبية بقيادة عضو مجلس النواب الليبي في طرابلس، فايز السراج.
ولفتت الصحيفة التي تصدر باللغة الإنجليزية، إلى أنه رغم مرور شهرين منذ وصوله، لا يزال السراج ”مختفيًا” في القاعدة البحرية، مؤكدًا للكثيرين أن طرابلس لا تزال غير آمنة، فيما لم تعد هناك أي من السفارات الأوروبية التي تم إغلاقها في طرابلس منذ العام 2014، وحتى كوبلر وفريقه، مازالوا مترددين في العودة بدوام كامل إلى المقر الرئيسي بطرابلس. وأشارت أيضًا إلى أن معدلات الجريمة وانعدام الأمن وعمليات الخطف لا تزال مرتفعة، إن لم تكن أعلى، منذ وصول السراج في اليوم الأخير من شهر مارس. فيما زاد انقطاع التيار الكهربائي بصورة أسوأ، ووصل الانقطاع إلى 11 ساعة في طرابلس الأسبوع الماضي، مع بعض المناطق النائية التي تعاني الانقطاع لمدة 24 ساعة في المرة الواحدة، في درجات حرارة تقترب من 40 درجة.
وعن الوضع الاقتصادي، قالت الصحيفة إنه لم يتحسن وضع الليبيين، حيث تلاشت قدرتهم الإنفاقية مع ارتفاع التضخم بصورة جنونية، نتيجة لاشتعال السوق السوداء لسعر الصرف، لافتة إلى أنه “باستثناء النفط والغاز، تعتبر ليبيا مستوردًا صافيًا للسلع، بما في ذلك تقريبًا جميع السلع الاستهلاكية والمنتجات الغذائية، فقد وصل سعر الصرف إلى ثلاثة أضعافه في السوق السوداء”.
ومن الآثار الجانبية الأخرى، تورد الصحيفة: فقدان الثقة في الوضع السياسي والمالي في البلاد، من قبل المواطنين الليبيين، ما أدى بهم إلى اكتناز أموالهم ورفض إيداعها في حساباتهم المصرفية، الأمر الذي أدى إلى أزمات نقدية في البنوك، ويعاني الكثير من الليبيين من الاكتئاب، وفقدان الأمل، نتيجة العيش في خوف دائم من الجريمة والخطف، فقد زاد عدد عصابات الخطف وأصبحت متخصصة في اختطاف الضحايا الفقراء، ثم ردّهم مقابل رسوم رمزية، وتمّ حبس جار مسن لكاتبة هذا المقال قبل أسبوعين في ثلاجة صناعية مهجورة مع زجاجة من الماء لمدة يومين في حرارة ليبيا، وطالب الخاطفون في البداية مليون دينار ليبي، لكنهم استقروا في النهاية على مبلغ 250 ألف دينار ليبي بفضل الاتصالات والضغوطات القبلية والميليشية الكبيرة.
أما المشكلات الأساسية، فأشارت الصحيفة إلى أن إنتاج النفط في ليبيا لا يزال في حوالي 27 %، (30 ألف برميل يوميًا) عن نسبته في العام 2012 بعد فترة القذافي، حيث بلغت ذروته 1.5 مليون برميل مع رجل الميليشيات القوي إبراهيم جضران، الذي مازال يرفض إعادة فتح جميع حقول النفط، في حين أن شركات النفط الأجنبية غير قادرة وغير راغبة في العودة إلى الخدمة وإعادة تشغيل المجالات المتوقفة.
في هذه الأثناء، تعتبر الصحيفة أن الليبيين سئموا من رؤية فايز السراج، وأحمد معيتيق وبقية مجلس الرئاسة الذين يقضون كلّ وقتهم في التنقل من اجتماع إلى آخر، ومن عاصمة أجنبية إلى عاصمة أخرى. فيما يشتكي الليبيون من أنهم يرون الكثير منهم في الزيارات الرسمية على شاشات التلفزيون، ولا يشاهدونهم شخصيًا في ليبيا. كما فشل الاتفاق السياسي الليبي الذي توسطت فيه الأمم المتحدة، وتم التوقيع عليه في ديسمبر 2015 في المدينة المغربية الصخيرات، فكان من المفترض أن يكون اتفاق تسوية شاملة، إلا أنه فشل حتى الآن في توحيد الأحزاب الليبية المنقسمة.
وعن المنطقة الغربية، تقول، لا تزال الزنتان متحالفة مع الشرق، حيث إن قائد الجيش خليفة حفتر ومجلس النواب ما زالوا جميعا يقاطعون الاتفاق السياسي الليبي. وتخلص الصحيفة إلى أن الكفاح من أجل تحرير سرت من داعش لم يسهم إلا في مزيد من الاستقطاب بين الغرب وحفتر ومجلس النواب الليبي في الشرق الذي يتهم كوبلر في الأمم المتحدة ببيع روحه لزمرة من المتشددين الإسلاميين ومصراتة ومليشياتها، التي يقودها عبد الرحمن السويحلي في الغرب. وهم منزعجون بصفة خاصة من أنه بدلاً من استخدام قوات الجيش بقيادة حفتر، باعتبارها الأساس لجيش حكومة الوفاق الوطني الجديدة، تبنى السراج في طرابلس الميليشيات الموجودة كجيش لحكومته، وتعتبر الكثير من هذه الميليشيات من ضمن التي غزت طرابلس في صيف العام 2014 للإطاحة بالشرعية الديمقراطية.
المصدر / موقع ليبيا المستقبل