بقلم حياة الرايس
حملت حقائبي وقصدت المطار: مطار تونس قرطاج الدّولي ومنه إلى مطار عمّان الدّولي. بعدما عرفت أنّ النّاس يدخلون إلى العراق من عمّان عن طريق البرّ.
في المطار كان بي إحساس بائس وموجع: كل النّاس ذاهبون إلى مدن الحياة إلا أنا مسافرة إلى مدينة الموت. ولكن مدفوعة بقوة الحياة أيضا.
نزلت مطار عمّان ومنه بحثت عن محطة الحافلات الّتي ينطلق منها المسافرون إلى بغداد. وبعد عناء طويل ورحلة عذاب وصلت وأنا أجرجر حقائبي الثقيلة، محطّة الحافلات المكتظّة بالمسافرين العراقيين العائدين إلى بلدهم وأهلهم وأرضهم… كنت التونسيّة الوحيدة الرّاجعة إلى بغداد.
ما إن رأيت إسم بغداد على الحافلة، حتى تحاملت على نفسي وجمّعت ما بقي فيَّ من قوّة وصعدت الحافلة مرهقة، يكاد يغمى عليَ من التّعب، لأرتمي على المقعد الخلفيّ، المستطيل. ورحت في شبه إغماءه… لكنّني كنت أشعر بكوكبة العراقيّين حولي رجالا ونساء يغمرونني بعطفهم وعنايتهم… وبالكاد فهموا مني أنّي طالبة تونسيّة عائدة إلى بغداد.
ومهما حدث لن أنسى أولئك الّذين اعتنوا بي منهم فالذي كان يأتيني بقنينة ماء والذي ناولني الساندويتش والّذي أتاني بكبّاية شاي… والحجيّة الّتي جلست (يمّي) وجعلت رأسي على ركبتها ويدها على رأسي… لا يمكن أن أنسى ذلك السّخاء وذلك الحبّ أبدا…
وانطلقت الحافلة العائدة بالعراقيّين إلى أرض الوطن وكنت وحدي العائدة إلى أرض النّبض والقلم. وظلّ العراقيّون كلّ شوي يعودونني، يتنقّلون من مقاعدهم الأماميّة ويرجعون للحجيّة يسألونها عن أحوالي؟
وكانت تردّد: ” خطيّة طالبة عربيّة. إجّتي من تونس على مود تكمل دراستها بالعراق. خطيّة، ما تقبل تعوف العراق بهالظروف “. وكانت تدمع عيناي لسماع كلماتها، الّتي لم أستطع أن أقولها، والّتي كانت أقوى وأحّن مما لو كانت تخرج من فمي. أحسست حينها أن “عشتار”: الأمّ الكبرى، هي التّي تتكلّم…وأنّني أغفو على ضفّة نهر دجلة…تحتضنني حضارة بلاد الرافدين…
بروحي تلك الأرض… ما أعظم اللقاء وما أعظم الذكرى…
جزء من رواية بغداد وقد انتصف الليل فيها