بلادنا على شفا سقوط مُدوٍ

بلادنا على شفا سقوط مُدوٍ

د . سعد الاريل

  بلادنا اليوم تمر بمرحلة سقوط مُدوٍ يشمل كل مظاهر الحياة الممكنة المستقبلية و ذلك راجع في المقام الأول إلى الذاكرة  الفكرية في عجلة التقدم وفقدان المبتعد عن (سار الممكن في إيجاد السبيل إلى النهضة التي فقدت لزمن طويل في التوصل إلى الإمكان الحضاري للتطوير .. نحن اليوم لمَ فقدنا السبيل للتقدم الممكن للبلاد التي لم تعد تنفض غبار التخلف الذي جثم على ظهورنا و كنا نروم إلى سبيل التقدم ولكن لازلنا لم نغادر مكان التخلف، بل ازداد الأمر تعقيدا و حَدّ من مظاهر  التقدم وكأننا لازلنا في العصر المملوكي من العيش السالب للحياة و الوجود برمته و لم تمر علينا حضارة القرن الحديث في شيءٍ فلا زلنا في عصر اللوح الخشبي و لا زالت حلقة الفقي هي السائدة في مساجدنا ولم يدخل طلابنا بعد ساحة المعمل في مدارسنا و لازلنا نتخبط في الفكرة القديمة .. بأن اللوح الخشبي هو السبيل لتقدمنا ..  اليوم الوعد التاريخي لازال ينقلنا إلى المعرفة الصفراء في تاريخ معرفتنا .. ( الفارابي ) و لازال ( ابن سينا ) و غيرهما شواهد تاريخنا الطبي .. و لازال فكرنا الحضاري يبتعد عن ( داروين ) وعن ( فلمنج ) وعن ( نيوتن ) و عن ( كوخ ) وعن ( باستير ) وعن حضارة (داروين ) و عبر التاريخ الحديث لاوجود للمساهمين من المسلمين في معرفة التاريخ العلمي. كل هذه السير العلمية تأتي من الغرب، و لازالت كلياتنا العلمية مدرج لوح قديم و خلوها من المعامل العلمية .

و ليس هناك شركة في بلادنا مرتبطة بالبحث العلمي في جامعاتنا ..اليوم بلادنا تسرع الخُطا نحو انحدار مروع قد يأتي إلى نهاية دولة دون مواظبة في السير التقدمي .. اليوم دولتنا تسرع الخُطا في سبيل سقوط مروع لدولة كانت هنا و تحولت إلى أطلال، و نعود نذكر التاريخ في ظل المعطيات الآنية السقوط محتم و لا يحتاج إلى شواهد علمية .. شبابنا الذين أنفقت عليهم الدولة الملايين من الدولارات في البعثات هربوا  إلى الخارج و لم يعد لهم أثر علمي حول محيطهم .. إننا لازلنا نذكر أطلالنا ولم يُجدِ التعليم الخارجي أي جدوى أثر اقتصادي في بلادنا .. طلابنا الذين درسوا علوم الذرة في الخارج ماتوا على كراسي المقاهي في طرابلس بجانب المعاهد و المراكز العلمية و لازلنا نحمل مرحلة التعليم العالي لأشخاص بعيدين عن العلم .. للأسف الفجوة الحضارية في بلانا تتوسع يوما بعد يوم .. في غياب أي خطة أو أي خطط تنمية للنهوض بالعلوم التكنولوجية. فلا وجود لأي كلية للعلوم التقنية في جامعاتنا .. و لا حوافز لجذب المؤسسات التطويرية الخارجية لبلادنا .. و يرجع إلى قصور المظاهر الاجتماعية و خاصة تدخل الدولة و قصورها عن دراسة مظاهر التخلف السائدة في البلاد و ظلت مؤسسات الدولة عن إيجاد خطة تنموية علمية و ليست خطة خدمية للتركيز على الخدمات العامة بل تقنيات النمو العلمي .. هذه الفجوة الحضارية في بلادنا تتوسع يوما بعد يوم و أموالنا تهدر يوما بعد يوم دون جدوى اقتصادية .. نحن للأسف قادمون  على كارثة لا تعد و لا تحصى من الزوال الأبدي لدولة كانت هنا ثم زالت. هذا المقال يجب أن يكون ندوة فكرية لمفكرينا و علمائنا للمساهمة في هذا المبحث الخطير الوارد لنا .. بلادنا اليوم تسرع الخُطا نحو انهيار لم تعد لنا القدرة على تحاشيه فللأسف كل يوم تتسع الهوة الحضرية و لم تعد لنا القدرة على ردمها. اليوم نرى تباشير السقوط تظهر للوجود من حولنا ما وراء ذلك هو تبني نموذج اقتصادي غربي لا يتواءم مع ما هو واقع من حولنا من أحداث لا تتواءم مع الواقع الاقتصادي من حولنا.

نحن دولة أساسها الاقتصادي لا يتواءم مع الأحداث من حولنا ..فغياب عنصر التنمية لازال بعيدا و تبنينا نماذج اقتصادية بعيدة عنا و لا تلائم أي نموذج تنموي من حولنا بل تعمق مأساتنا الوجودية .. نحن مثل الطائر الذي فقد قدرته على الطيران لضعف أجنحته على الطيران. البلاد اليوم تقتفي سياسة اقتصادية لا تركن إلى الواقعية. و الجهل ما هو مأمول لفقدان العلم في الإدارة في مؤسساتنا الاقتصادية، إننا نتبنى نظريات بعيدة عن واقعنا و تدفعنا إلى فجوة الفراغ القاتل. لقد تبنى المصرف المركزي سياسة التوسع في التضخم بخفض أسعار العملة إلى أرقام غير مسبوقة فتوسعت دائرة الفقر لأصحاب الدخل المحدود في البلاد و إن كان هذا التخفيض زاد في فقر الفقراء و لم ينقذهم في شيءٍ بل توسعت عذاباتهم و ارتفع معدل التضخم إلى فجوات عطلت الحياة الاقتصادية في البلاد ..فلم تكن سياسات تخفيض العملة المحلية إلا بؤسا لليبيين، و عمق أيضا الفساد المالي مما أنهك القوى الاقتصادية المحلية و ظلت البلاد في التفكير في متاهات قاتلة مثل رفع أسعار السلع المحلية المنتجة محليا و ظللنا نتوه في فخ السياسة النقدية. في مصر التي فشلت في استقرار السوق المحلي و جرّت الوبال على المواطن العادي الذي يتلقف الخبز من الجمعيات و كذلك الغذاء و تحولت المؤسسة الغذائية إلى احتكار السوق ولم تعد تجد الرغيف المدعم بعد الساعة العاشرة صباحا .. و نحن نوصي البرلمان الليبي بتكوين لجنة لإعادة الثقة في العملة المحلية، و إلا سوف نجد عملتنا المحلية تصل إلى أرقام فلكية كما حدث في ( العراق ) وفي ( لبنان ) وفي ( السودان ) و آخره من بلدان العالم النامي .. بما يسمى بأزمة النقد  المحلي .. ثم غباء صندوق الدولي (  imf ) في سياسات نقدية بائسة و لم تنقذ البلدان النامية من تورطها في التخلف و الأموال التي تمنح لهذه الدول تدفع بها إلى الاستعمار العميق لا إلى الإصلاح … deep imperialism  ..فوظيفة صندوق النقد الدولي اليوم هي مجرد تماثل لصندوق الزكاة في العالم العربي الذي يبقي المواطن العربي الفقير أكثر اعتمادا على أمواله المزكّى بها .. وكأن الشعوب النامية هي مجرد وهب لا إنتاج.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :