بوقه، بالقاف الليبية

بوقه، بالقاف الليبية

تَنّوَه  

مايشبه ترسب التجارب والمعرفة

سعاد سالم

soadsalem.aut@gmail.com


كنت أعيش في خيالي أكثر منه في الحياة، أعني في الواقع، ويالحظي ليس في الحضيض الذي لم أكن بعد أدركت أن كثر من الناس تعيش فيه، أعتقد بدت ومنذ زمن طويل نسبيا تتكشف بعض الستور التي تضعها الحياة فوق فتاة مثلي، لم أعرف ماذا يعني المُرّار قبل تخرجي، إلى أن أديت الخدمة الانتاجية في 1992 بمكتب الضمان بالظهرة، لمراعاة أقرب مكتب لمحل سكني في بن عاشور ساعتها، عملت مع أربع سيدات يرأسهن سيد، وهناك تعرفت لأول مرة في حياتي على ماهية الفقر، الفقر أي الجوع، وليس فقر للكماليات التي لا يملكها أغلبنا، حتى وإن كانت ضروريات نسبة لرفاهية الدولة ونظامها، دخلت سيدة مسنة بفراشيتها، تعين أيتام إبنتها، تسأل عن النقود، كانت هى أيضا دخلت مع معاشها ضمن دوامة : مانزلش، وذلك اسوة بباقي معاشات القانون 15المقدس ، وكان مرتب الضمان ساعتها 90دينار ، خالتي الحاجة بأسنانها التي أتلفها السكر، أخرجت من شلامتها ، محرمتها الفاضية وقالت: ماعنديش حتى ربع جني للخبزة، كان ذاك أول لقاء لي بالواقع الذي بالكاد أعرفه، ويومها أذكر أنني خضت تجربة وعي على نحو ما، مسحت ولمعت مشاعري ودقة الملاحظة عندي، ورفعتها إلى مستوى أعلى، لأنه ومنذ ذاك النهار بدت رحلتي في تصوري نحو المنعطف المهني الذي لم أخطط له، الصحافة، سيضحك البعض وسيقول البعض، لا يوجد صحافة،لكن  الصحافة واسمحوا لي،  حس ودقة ملاحظة، وربط للموضوعات المتناثرة، وتتبع لرتق الأخبار ، وبهذا حتى لو لم أحسب الموهبة فإن بعض الأشياء والمواقف تصنع طريقا،حيث لم يخطر بالبال، إذ قبلها كانت مجرد بطحاء.

ولكن ماذا يعني ذلك؟

الملاحظة؟ 

 أن لا تمر المواقف والكلمات والأفعال وردودها دون أن تمنحنا خلفية عما يجري، خلفية كافية للفهم أو لتتبع السؤال، لدى عندما أخبرتني محاميتي الشابة السيدة سينو، من أن ايقافي مبدئيا كان على خلفية شك في كونك دخلت ضمن شبكة تعمل بين أفريقيا وهولندا، تنقل النساء من هناك ليعملن هنا في الدعارة، كنت دخلت بتذكرة ذهاب بلا عودة، وكان هذا سبب الشك ،حقيقة لم أملك حين دقت طبول الحرب في طرابلس(فجر ليبيا) ثمن تذكرة ذهاب وإياب، نعم بعد فبراير ظلت مرتباتنا كما هى لا تتجاوز 800دينار التي رفعها لخ القايد بعد فبراير2011 في محاولة لهدهدة الجيوب الفارغة، المهم  حزمت أمري بقليل جدا من المال ونقزت قبل احتراق المطار بفارق أسبوع وبضع ساعات .

الربط: 1

أن لا يتوقف الجرس الذي انبعث من موقف ما، وفي حالتي كانت إهانة الشك جارحة،ولكنها في ذات الوقت كانت معلومة حول عالم مخيف يدير البشر كما لو كانوا قمامة، إعادة تدوير لأحلام الشبان التي تفقّرهم أنظمة بلادهم، ويقعون وخصوصا الفتيات ،يقعن في أيدي مسوخ بلارحمة، فالشرطة الملكية ليست مخطئة في التساؤل والبحث وهكذا واصل الألم الرنين حتى فاحت الأخبار عن عصابات تهريب البشر بل وبيعهم، في بلادي ،ثم التقارير عما يلاقيه المهاجرون والمهاجرات خصوصا من جنوب الصحراء في ليبيا من معاملة قاسية واغتصاب وحتى قتل،  حتى أصبحت ظلال الاهانة من الشرطة الملكية بمطار امستردام، على خلفية قصتي البائسة عن عدم امتلاكي للمال لشراء تذكرة ذهاب وإياب شيء غير قابل للحكي، فيما كنت أفغر فاهي كلما لاقاني أشخاص حيثما يجب أن أكون مع جنسيات الأرض من طالبي اللجوء وهم يذكرون القذافي بخير، ويلومونني كممثلة عن الليبيين لماذا قتلتم الرجل ، أنتم أغنياء، كان يفعللكم ويعطيكم ومعيشكم في نعيم ،و هكذا،  كنت قررت الخروج من مطار اطرابلس في 2014 في رمضان ، وكانت ساعات السفر طويلة ومنهكة ومتوترة، أن تغادر بلادك لأنه لا أمان لك فيها، وبحفنة يوروات هذا هو بالضبظ ما يسمى بالفساد والغلظة والقسوة، وكلها جرائم غير مغفورة.

الربط: 2

إذاً فضحت صحفية الCNN التجاوزات وطريق الجريمة في حق عابري السبيل، وكذّب الليبيون التحقيق الوثائقي، فالنكران خير وسيلة للشعب المدين بالفطرة والنازك بطبعه ،ومنذ عام تقريبا وعلى القناة الألمانية العربية DW شاهدت وثائقي يظهر أين تنتهي رحلة النساء خصوصا من نيجيريا، وكيف يصبحن عبدات جنس في مقابل دفع الأموال للمهربين، أي العمل مع مديري هذا الجحيم، والعصابات النيجيرية كما ذكر التقرير هم الأكثر شراسة وخطورة ،إذ في حال الرفض تختفي البنات في الغابات وفي الأجراف البحرية، قصص تدمي القلب عن ناجيات تمكن من طلب المساعدة ، والتي كشفت الشرطة الألمانية بفضلهن عن شبكات في خط طويل يربط بين أفريقيا وأوروبا مرورا بليبيا بالدرجة الأولى وتونس وبعض الشواطيء الأخرى بنسبة أقل، وطبعا خطوط الطيران تحديدا اسطنبول، وأنا من تقول ذلك، لأن العبور إلى أوروبا عبر اسطنبول كان المدخل الرئيس للمهاجرين بجوازات سفر مزورة، وتأشيرات فالصو، ربما ستفهن وتفهمون لماذا عانيت ما قبل تجربة اللجوء ذاتها  من سوء الفهم، كنت وصلت مطار سخيبول قادمة من ترانزيت في اسطنبول فجر 9/7/2014

الربط:3

 هذه الأيام أتابع صفحة ليبية على فيسبوك ، معنية بالعاملات ، جمعتُ بعض المنشورات وبعض التعليقات ، لنتشارك القلق حول ما يجري هنا ، وكيف تفكر الليبيات والليبيون ، وحول العالم الجديد الذي تفوح منه رائحة الغبن والعنصرية، ناهيك عن فكرة أن يغطس المجتمع في تسهيل مهمة العصابات والمجرمين في الدرب الطويل للجحيم من أفريقيا وحتى أوروبا : تجارة بخسة، وعبودية جديدة حتى وان غيرت اسمها: 

السلام عليكم بالله نبي حد عنده رقم بوقه توفر في نيجيريات ولا  سيراليون ولا ارتريا  بالله تفيدني ما نبيش مكتب ولا حد ليبي يوفر فيهم نبي بوقه وشكرا

سيدة تسأل:

عفوا شن معناها بوقه؟

ردت صاحبة المنشور : معناها نيجريا زيهم او من نفس بلادهم يعني مش ليبين.

منشور تاني:

موجود اليوم عاملتين نيجيريات الراتب 800 بدون هاتف نقال صغيرات فى العمر للاستفسار ع الرقم 091******

منشور ثالث: 

السلام عليكم جايبتلكم عاملات مقيمات  الله يبارك من غانا من غير تلفون وله( قصدها ولا) اجازه تفضلو خاص او  ع الواتس اب  ‪+218 93‑********* طرابلس ، 900 مرتب 500  عموله مره وحده لمده سنه وتبدلي ف اي وقت(تقصد تبدلي العاملة) واي استفسار تاني، اتصال ع رقم او ع واتس اب 

منشور رابع ينقلنا إلى مستوى آخر :

السلام عليكم

بنات بنسألكم حوايج العامله وحوايجكم تخلطوا فيهم مع بعض وتغسلوا فيهم في الغساله

بالله جاوبوني. (هنا أغلب الردود كانت تغسلهم علي ايديها وتنشرهم وهناك مقترحات أخرى مؤسفة تخوفك من نفوس البشر).

ولنتأمل معا المنشور الخامس:

مرحب عندي اثنين عاميلات ناجيريات الراتب 800دينار الاقنين(قصدها الاتنين) وعمولة على كل وحدة 500دينار ناخذ منك عمولة لمرة وحدة بس وتقعد معاك لمده الحياة ( قصدها لمدى الحياة، تصوروا)الي تبي تخلي تعليق ونخشلها خاص والاتنين ممتازات جداااا

____ سألتهم شنو معناها العمولة؟ ماردوش!

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :