علي المنصوري
قبل أن تسدل أمي عينيها الجميلتين لتخلد إلى النوم قالت: “ما في نيتي امفيت كسكسو غداء لبكرا”.. في صباح اليوم التالي، برفقة والدي ذهبنا، إلى السوق لنفترش أرض يوم الجمعة.. درجة الحرارة عالية، ولولا نسمة خفيفة آتية من جهة البحر لكنا غرقنا في عرقنا، أصوات الباعة تغازل آذان المتسوقين بعروض التخفيضات، بائع مصري يقول “بتنين ونص وتعالا بص”، وأفريقي لم أفهم ما يقول ولكنه يبيع “السواك”، في السوق البعض يريد الشراء والبعض الآخر لتضييع الوقت والبعض لا تفهم ما الذي جاء به؟ ..
يقف أمامنا شابُ متسائلا عن سعر “الصندل”، وهو يحاول تغطية رأسه من الشمس وحمايته من” سطرة” المتطلبات “بستة جنيه” رد والدي.. ليغادر الشاب سعيدا عندما خفض له السعر من قبل والدي الذي قال له “معوضات”.. وفي الوقت الذي كنا نقتات فيه أتربة السوق وهي تتصاعد، قرّر والدي المغادرة، حينها طلب مني انتظاره، وماهي إلا لحظات حتى عاد..
غادرنا المكان، وما إن وصلنا قرع أبي الباب، سمعت خطوات شبيهة بركض طفلة تنتظر عودة والدها. فتحت أمي الباب احتضنته بكلمات دافئة صادرة من قلب يملؤوه الحب: “مرحبتين بنور العين”.. أخذت عنه جلبابه قبل أن يطلب ليناولها هو كيس أمنيتها به بعض الخضروات.. ولما لاحظت أمي بأن وجه أبي “منسود” اشتكى لها من الجلباب لأن طربوشه لم يقم بواجبه.. رغم أن الوقت غير مناسب، جلست ترقع غطاء الرأس وتحيك الجلباب، تحاول أن تركز بعينيها التي فقدت بعض قدرتها على الرؤية من أضواء المصابيح الخافتة، وبيديها المتجعدة حاولت احتمال وخز الإبرة فلم تصرخ.. لم تبدِ انزعاجها ولم تبالِ.. وضعت إصبعها في فمها ولعقت الدم وأكملت حياكة الجلباب المتهالك.. ما إن انتهت من حياكته، قال لها: “الله لا يغيبك يا زاهية”.. قفزت تجهز الكسكسو للغداء، تدور حبيبات الكسكو بيديها التي تزينت بـ “حدايد الفضة” تصدر صوتا محببا لديه كتقليد يضفي رونقا موسيقيا على المشهد وهي تردد “موش خسارة في بي واشوني”..