تزوجت قاتلا

تزوجت قاتلا

قصىة صحفية :: حواء عمر

كان كالحمل الوديع يتقرب منها و لم تصحو إلا و هي بين أنيابه ، ينهش جسدها ، أوهمها بحبه ، و أقنعها أنه الصديق و الزوج و السند ، تزوجته و أنجبت منه و اكتشفت أنه لم يكن سوى مسخ متوحش لا يعرف من المشاعر إلا الخداع ، هديل طالبة الأحياء الدقيقة ، في ربيعها الثالث و الثلاثين ، تتميز بجمال بشرتها السمراء قليلة الكلام وسريعة البديهة، كريمة متواضعة وعطوفة جدا ولديها شغف التعلم و حب التجربة و الاكتشاف.

كانت هديل ضحية عادات و تقاليد عائلتها التي لا تلقي أي أهمية لرأي الفتاة في أمر زواجها ، ولدت ابنة” لأب مزواج ظالم ، لم يؤدِ واجبه الأبوي بالسؤال عن خاطب ابنته الصغرى بين إخوتها ، تقطن هديل بإحدى القرى الواقعة بالجنوب الليبي ، وهي كالكثير من الفتيات في مجتمعها اللواتي زجّ بهن في سفينة الزواج التي تتقاذفها الأمواج بلا ميناء للسكن و السكينة ، دون أي ذنب يعشن قصص زواج تلتهمها المأساة مخلفة” رماد ربيعهن الأول تنفخه الأيام سدى بلا رحمة

هديل ذات اليد مملوكة للتقاليد !

هديل ” ابنة الخمسة و العشرين ربيعا ، تقول كنت الأكثر هدوءا” بين أخواتي ” وهذا ما جعلني معرضة لمواجهة الخطر دائما ، فنحن مجتمع يقاد بالخوف في أغلب الأحيان ، كنت أقطن بالقسم الداخلي بمدينة سبها ،و لم أكن أعلم ما يحدث في منزلنا ، في ذلك الوقت تقدم شاب لخطبتي ، يدعى ” علي” و أبي لم يكلف نفسه بالسؤال عنه إلا قليلا ، و بشكل سطحي ، وافق على الفور ، اتصلت أختي لتخبرني بما حدث ، وطبعا بحكم العادات أنا لا أستطيع الجدال في هذا الموضوع فهو منتهٍ و رأيي غير مهم أبدا .

التهيؤ لقفص المفاجآت الذهبي

تحدثت ” قلت في نفسي أبي أدرى بمصلحتي ، و لن يرضى بظلمي ، وبالرغم من ذلك فإن ما يهمني في الأمر هو إكمال دراستي.

 تابعت هديل : لم أبْدِ اهتماما بالأمر، طلب خطيبي رقمي من أختي الكبرى ليتعرف على زوجته المستقبلية ” التي هي أنا ” وتحدثنا كأي مخطوبين ، وكان يبدي لي اهتمامه بالعلم والتعلم و أنه لن يمانع بإكمالي للدراسة الجامعية ، كان يبدو رجلا طيبا و مناسبا لكل فتاة طموحة لأنه سيساندها في تحقيق أحلامها ، وقلت في نفسي هذا هو الشخص الذي أحلم به منذ سنوات و لم ينقضِ أسبوعان بعد الخطبة حتى قرر خاطبي أن يتم الزواج في أسرع وقت.

تحدث إلى أبي وكانت حجته أنه يريد أن يسافر للعمل ، ويريد أن نتزوج و نسافر معا ، ولكن بعد جدال طويل بين أمي وأبي رفضت أمي وتم تأجيل موعد الزواج.

واستمرت الحكاية حين “مرت الأيام سريعا و تم تحديد موعد الزواج بعد ” عيد الفطر” فانشغلت هديل بتحضير نفسها كأي عروس ، تستعد لدخول القفص الذهبي ،ولم تلقِ بالا” لترقب ما سيواجهها من مفاجآت الأيام مع علي ، ونسيت أن قفص الزواج الذهبي و إن كان يغدو لامعا فهو في نهاية الأمر حبس من نوع آخر ، تم التجهيز للفرح و جرت الأمور على خير ما يرام وتم العرس وزفت هديل لمنزل زوجها.

هاتف الفجيعة !

  أردفت هديل ” مرت الأيام الأولى بعد زفافنا وكانت مليئة بالسعادة ، فكان زوجي يعاملني بكل لطف و أنا كنت أطوف على غيمة من السعادة ، ومرت ثلاثة أشهر و كل شيء على ما يرام ، حتى جاءت تلك اللحظة التي عكرت صفو أيامنا ،حين حدث موقف أظهر جانب زوجي الخفي ، فأرعبني بوجه الشيطان و أنا التي كنت أراه ملاك منزلي الحارس !

نعم ، سمعت زوجي يتحدث بالهاتف ويقول لأحد ما على الطرف الآخر: حاول إقناعها بكل الطرق فأنا أريد الزواج منها ، كانت صدمتي في تلك اللحظة كبيرة جدا فكيف يفكر في الزواج و نحن لم نتم بعد ثلاثة أشهر على زواجنا شعرت بخبث ذلك الشخص ، فتظاهرت بالغباء لأخفي حرقتي وكنت أتصرف على طبيعتي ولم أبين له بأني أعلم ما يجول بخاطره.

وتابعت هديل : ” قال لي إنه يجب أن يسافر لأن لديه بعض الأعمال الطارئة ، فأيقنت حينها أن زوجي يريد السفر ليتم موضوع زواجه الثاني ، قمت بتحضير كل ما يلزمه للسفر ، بعد خروجه من المنزل بساعة واحدة قمت بتكسير البيت ” فيلة ” و نفست عن غضبي بتحطيم كل الأثاث ولم يتبق أي شيء على حاله ، فهو من أشعل هذا اللهيب في خافقي ” دمرت كل شيء”

بات الوجع الممزوج بالغضب واضحا في نبرة صوت هديل ليرتعش جسدي من شدة ألمها ، و بعدها غادرت المنزل وعدت لبيت أهلي .

زوجي قتل فلذة كبده !

 باحت هديل ” و الأسى يسكن ملامحها : عرفت بعد كل ما حدث أن زوجي كان قد قتل طفله من زوجته السابقة ، فقط لأن الطفل كان يبكي بشدة يريد والدته، و كان والده شيطانا ذو قلب أسود رمى به على الحائط فتهشم رأسه و سقط ميتا”!

 توقفت هديل من شدة تأثرها و الدموع ملأت جفنيها : كيف لأب أن يقتل ابنه بكل هذا البرود؟ وللأسف علمت متأخرا جدا جدا بكل هذه الأمور ، لا أدري كيف شاءت الصدف أن تجمعني بهذا القاتل ؟ تساءلت بدهشة.

 أضافت ” الكارثة لم تقف عند هذا الحد ، لقد كان مزواجا يحب المتعة فقط يتزوج بواحدة ولا يكمل شهرا حتى يطلقها و يبحث عن غيرها ويتزوج بها ، و انصدم خالي عندما علم بأن أبي قد زوجني لهذا الشخص ، وقد زج بي في هذا المأزق ، فعاتب أبي كثيرا ولكن بعد فوات الأوان.

 العودة إلى مخدع السادية!

 أشارت ” بعد ستة أشهر عدت إلى منزلنا “بيت أهلي” ولم أشعر إلا وشيء بدأ يتحرك في أحشائي ، اكتشفت بأني كنت حاملا بشهر ونصف ولم أكن أعلم بذلك ,مضت فترة لا بأس بها على هروبي ، ولم يكلف زوجي نفسه حتى بالسؤال مرة واحدة عن حالي ، وكذلك لم يرسل أي مصاريف لابنه المنتظر ، مرت أربع شهور وهو مسافر ومنذ تلك الفترة وأنا أتجرع الألم كل يوم في بيت أهلي !

استرسلت ” لم يساندني أحد في محنتي هذه إلا عمتي كانت هي فقط من رأف بحالي بعد الله ، فرأيت أشد أنواع الألم ، وبعد مرر بضعة أشهر رجع زوجي ليصدم بمنظر المنزل ، وقال لأهلي بأن ابنتكم حطمت كل شيء بالمنزل ولم تترك عمود قائما ، ولكني نكرت الأمر و تظاهرت بالصدمة لمعرفتي ما حدث خاصة بعد اتهامه لي ، و فعلت كل ذلك حتى لا أخيب ثقة أهلي ، وأنا فعلت ما فعلت في لحظة غضب ومن حرقتي على ما فعله بي ، وبعد نقاشات وحلول رجعت مع زوجي إلى المنزل رغم كل شيء عدت لذاك السجن من جديد.

 عبّرت هديل : ” لم تكن للحياة طعمة معه فقد كان الجبار القاسي الذي لطالما أرادني جارية و لست زوجة، فكثيرا ما كنا نتشاجر و كثيرا ما حاولت الهرب منه ولكن مآلي كان دائما في ذاك السجن ، ففي إحدى المرات نهض من النوم متأخرا في نهار رمضان المبارك وعندما فتح صنبور الماء لم تنزل ولا قطرة ، وهنا كانت الكارثة فكيف للخزان أن يفرغ عندما يريد حضرته استخدام الحمام ، وبدأ يصرخ و يعلو صوته ويسب بكل الكلمات البذيئة ، وهو صائم ، وأنا كنت مندهشة مما أسمع ، و استمر هياجه بأبشع طريقة حتى أنه لم يترك مجالا للحياء بيننا ومن هنا قررت الهرب ثانية إلى منزل الجيران ، و ككل مرة لحقني و أمسك بي بعد صراع كبير و أرجعني للمنزل ، ولكنه هذه المرة أخذ مني هاتفي.

ابني لن يموت بيد أبيه !

  نوهت ” رزقت بطفلي الأول، ومن هنا تغيرت نظرتي للعالم، فأجمل ما رزقت به هو صغيري ، هو الكائن الوحيد الذي كفاني عن الدنيا ، حظيت به ليعوضني عن كل ما عانيت ، مر عامان على هروبي لم يفكر خلالهما أباه بالسؤال عنه أو عني فهو لم يره إطلاقا ، وكالعادة رجع بعد هذه المدة ليأخذني وطفلي.

كنت حزينة جدا وخفت أن يرغموني على العودة إليه، رفضت أمي رجوعي ولكن دون جدوى ، فقد كان واضحا” أن أبي لن يمانع بعودتي.

 سكبت هديل حزنها و تابعت: لم يكن هناك من يهتم لشأني فقد كان أبي مشغولا بزوجته الثانية ولكل من إخوتي حياته في نهاية الأمر، و أنا فقط من يدفع الثمن ليعيش هذا الصغير

ختمت

” أصبحت بين مد و جزر ، مرة” في بيت زوجي ومرات في بيت أهلي فلا أنا متزوجة ولا مطلقة ، لقد سئمت من هذه الحياة , وأعيش ضحية لقرارات الآخرين. كم طلبت الطلاق مرارا” و تكرارا” ولكن لم أجد آذانا صاغية فقال أهلي طلاقي بابنك (تخلي عن ابنك نطلقك منه).

 فبلغ بي الأمر حد هجرة المنزل وتركت كل هذه المشكلات، لم أعد أستطيع الاستمرار مع هذا الشخص الذي يمارس عقده النفسية علي ، و لن أتخلى عن ابني ليقتله كما فعل مع ابنه ، ليس بيدي حيلة وهذا القرار الصحيح بنظري فقد انطفأت شمعتي.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :