محمود السوكني
ضرورات التطور، وأسباب النجاح تفرض علينا الاحتكام إلى العلم، وتلزمنا بمجاراة العصر ورفض أسلوب الأحاجي والإتكا على الأدعية، وملازمة غرف البخور، وشرب ماء الورد .. !
التقدم له دروبه الوعرة التي لا تعترف بالمنهزمين والإتكاليين والمرددين بجهل مطبق وبدون فهم لما تعنيه جملة (الله غالب)…!
الرقي والتألق لا يتحقق بالمشاجب التي نعلق عليها تخلفنا، ونسقط على مقابضها عيوبنا . السمو ومنافسة الآخر بل وتجاوزه ليس بالأمر الهين، ولكنها أبدأ ليست مستحيلة على ذوي العزم ممن ينشدون صناعة الغد في نهار اليوم وليل الأمس.
هذه البلاد غنية بمبدعيها، زاخرة بقدراتها، عظيمة في عطائها، حبلى بفلتاتها، والشواهد على ذلك كثيرة تضيق هذه المساحة بحصرها وإحصاء نجومها .
لم يعد سرا أن أعداداً هائلة من الأطباء الليبيين المهرة يسجلون فتوحاتهم العلمية في مشاف مرموقة في بقاع مختلفة من العالم .
المهندسون أيضاً. .. وقادة الطائرات.. وعلماء وأدباء وفنيون على أعلى مستوى احتلوا مواقعهم بجدارة وحققوا نجاحات في دول متقدمة لا تحابي ولا تجامل، ولكنها تحترم العلم وتقدس التفوق وتؤمن بالمواهب .
هذه الهجرات العلمية ما دوافعها حدوثها ؟ ما أسباب نزوحها ؟ ولماذا نفقد خبراتها ونحن نستجمع قوانا لنبدأ بناء دنيا الغد ؟
أليس من الأجدر أن نستفيد من قدراتها ، ونستغل إمكانياتها في صنع الوطن الذي نحلم ببنائه وإرساء دعائمه يوماً ؟
هل قدر لهذا البلد أن يفرخ المواهب ويقبع في دهاليز الظلام ؟
هل يقتصر دورنا على إيقاد الشموع للآخر فيما نغرق في عتمة النسيان؟
هل نغفل عن أبنائنا الذين رضعوا من ثدي هذا الوطن ونلجأ إلى الغرباء نلتمس مفاتيح المستقبل ؟!
لماذا لا نفكر بعقل مفتوح في أسباب هذا النزوح الكثيف لهذه العقول التي زرعنا بذورها وعبدنا طريقها وصنعنا أمجادها ؟
ألم يعد أسلوب حياتنا يعجبهم بعد أن ذاقوا حلاوة الغربة ؟
هل هي المغريات المادية التي تخر أمامها أجورنا المحتشمة بقوانينها البالية ، سيئة السمعة عديمة الإحساس ؟
أم أنه التقدير الذي يفتقدونه – غالباً – عندنا، فيما يغرقون في بحوره هناك ؟
أو ربما تكون نظرتنا إلى الأخذ بأسباب العلم تنقصها الجدية الكافية التي تدفعنا إلى احتضانهم وطلب مساعدتهم مما دفعهم إلى الهجرة حيث تحترم امكانياتهم ويحتفى بتفوقهم ، أو قد تكون عقدة ( الخواجة ) التي تسيطر على عقول البعض منا هي السبب في نزوحهم بعد أن ذهبت محاولاتهم للإصلاح أدراج الرياح !
قد تكون تلك الأسباب كلها .. وقد تكون هناك أسباب أخرى .. ولكنني أجزم بأن سبباً واحداً منها كفيل بتعطيل هذه الإمكانيات وهجرتها إلى غير أصحابها .
ليبيا المستقبل التي نحلم بها ، تنمو بسواعد أبنائها وعقول رجالها .. ليكون للمجد مذاقه المختلف .














