- محمود أبو زنداح
الحرب ليست وظيفة ولا اختزال لضم بعض الأراضي هنا أو هناك ، أو لتجريب المدافع والرصاص الحي على رؤوس الأهالي . الحرب أكبر من دافع الشخص عن نفسه ومحاولة لصنع مجد فوق ناشئين الفخر ومجد الأبطال ، الحروب تصنع الآلام وتكون شرخ كبير في أنفس الأمهات وذاكرة الأطفال . لم تكن الحرب في يوم من الأيام للقائد الشجاع إلا شراً لابد منه ،فإذا دخل بها حاول بشتى الطرق تقليل خسائرها ، ولايمكن أن ترى الحروب في بلادي إلا دمار هائل وخسران أكبر في الأرواح وأيضا الممتلكات .
لم تكن مدينة الحراك إلا ساحة حرب وتصفية حسابات شخصية بين الإخوة الأعداء ،هذا العداء الكبير كلّف المدينة حرباً ضروساً في معظم أحيائها مما جلب الدمار الهائل لكل شوارعها ومساكنها وهجرة أغلب سكانها إلى دول الجوار . فكان من المهاجر الأول أنه أبدع في دراسته وأصبح من الأوائل ،لأنه عمل على نفسه وتحرر باكراً في تحويل أمنياته إلى الخارج وعرف أن الدولة دائماً تنكر على مواطنيها حق المعاناة فرسم من الألم إبداعاً ولَم نر فيه المعارض أو المؤيد المخطط أو السادة لذلك النظام أو هذا ، بل يبقى في عيون الثقافة والإبداع أنه ((الصناعة)) . جغرافيا الحقيقة ترسم لوحات عن وطن يتمزق وتسرق الابتسامة من شفاء أطفال أبرياء .
ولَم تكن تعلم العائلة البسيطة أنها لا تملك ثمن رغيف الخبز ،فقد سلبت منها الحرب المسكن الوحيد وجعلها في العراء ،وسرق منها حق السترة والإنسانية ، فلا مكان لها في وطن أصبح غليظ القلب على نفسه ، الهجرة حق من حقوق الأنبياء ، في دولة المهجر نحج في أبياتها الكثير ولكن كثير من العائلات أصبحت ترمي عزيز نفسها أبواب المساجد تبحث عن مايسد رمق العيش أو يرمي البعض الآخر في طريق السوء والسواد ، لم يكن العقل أن يتصور شعب قليل العدد يصبح إلى ما آل إليه الحال بسبب السلطة والمال .
لم يُعلم الإسلام أن الإخاء بين المهاجرين والأنصار وصولاً إلى قسمة الزوجات فيما بينهن ، يذهب بالإخوة الأشقاء في ليبيا إلى العداوة والكره لا لشيء إلا للاختلاف الفكري ، مجرد أبغض النفس عن مساعدة الجار لأنه اختلف معاك في السياسية البغيضة يجعل منك أقرب إلى السياسي الوقح الذي في الحقيقة ليس أقرب إليك مِن جارك الطيب .
فكم من قصص ظهرت حب الشيطان والابتعاد عن حب الله بتخوين الجار ورميه الباطل وطرده أو هدم منزله حتى يترك المكان ويتم الاستيلاء على أرزاقه بحجج واهية ،لا يعلم ماذا سبب له من إيذاء في بلد المهجر وما يتحصل عليه من دعاء مظلوم في الدنيا والآخرة ، فعذاب الآخرة أشد وأبقى عندما يكون الفعل من ذوي القربى . لا يمكن أن نبقى نتغنى بالحروب وأمجاد الشخوص ولا نجد من ينادي بالمحبة والبناء ،نرمي سهام الحب لمن يقترب إلينا بسلاحه الفتاك وندعو له بمزيد من الزحف والدمار ،ونطلق عليه سهام الحقد والخيانة عندما يتقهقر أو يتراجع .
غالباً الشعب لايكتب أو لايجري وراء مجد شخصي ،إنما يرى الوطن هو الأمل هو المجد الحقيقي فيغدق في الحياة اليومية ويغوص في مشاكله المفتعلة ، بينما الكتاب وصانعي أفلام الصورة الواحدة للبطل الأوحد تكون في حياة أخرى بعيدة عن روح وأفكار الشعب ترسم صورة وردية عن الحروب وعن المخلص والمفكر والصانع ترمي إليه ورود الغزل يوماً ، وغداً ترمي للعسكري أو الهاوي الآخر كلمات الإطراء فتكون دكتاتوراً لايقف عن حدود الدمار مسكناً فيزداد الهيجان هيجاناً وتبقى المدن على رؤوس ساكنيها دماراً أو أكثر ألماً وتهاجر القلوب قبل الأجساد وتبقى المعاناة أكبر من الكتابة عنها.