توخيرة ليس فيها خيرة

توخيرة ليس فيها خيرة

كتب :: عبد الرحمن جماعة 

لا أعرف مدى صحة خبر تعيين مختار الأخضر مراقباً مالياً في الكويت، وحتى لو كان صحيحاً فلن أتفاجأ.
لأن المفاجأة تأتي من عدم التوقع، فكيف أتفاجأ وجلُّ موظفي الدولة في الداخل والخارج هم مخاتير.. وبكل الألوان.
مخاتير.. لأنهم اختيروا بناءً على أمور أخرى لا علاقة لها بالكفاءة.
مخاتير.. لأن من اختارهم، اختارهم لنفسه، وعلى مقاسه، ووفقاً لمعاييره الشخصية، ورغباته النفسية، وأهوائه الدنية.
مخاتير.. لأن اختيارهم كان هو التوخيرة الوحيدة التي ليس لنا فيها خيرة.
مختار هو مختار، سواءً أكان أخضراً أم أبيضاً أم طرطارياً!.
مختار هو مختار، سواءً أكان مراقباً مالياً في سفارة ليبيا في الكويت، أو ملحقاً زراعياً في مالطا، أو ملحقاً عسكرياً في سويسرا، أو ملحقاً صحياً في الموزمبيق، أو حتى المرافق الشخصي لسعادة السفير، الذي يحمل عنه حقائبه، ويعدل لها ربطة عنقه، ويشعل له سيجارته، ويشرف على لياليه الحمراء.
لا تتفاجأ، ولا تتعجب، فالزلزال في اليابان لا يدعو إلى الاستغراب، والثلوج في السويد ليست بدعة، والشمس الحارقة في فزان ليست أمراً استثنائياً.. فلماذا تتعجب من الفساد في ليبيا.
ليس ذكاءً أن تعرف نهاية الطريق إذا عرفت بدايته، وليس صعباً أن تعرف النتائج إذا عرفت المقدمات.. وليس مُدهشاً أن تتوقع حدوث أمرٍ متكرر حدوثه.
جاء رجل ليبي إلى عرافة، وعندما عرفت أنه ليبي، نظرت في كفه ملياً، ثم تنهدت، وقالت: يا بني؛ لديك شخص عزيز مقتول بالرصاص!.
لكن المشكلة والطامة هي أن الفساد حين يصبح أمراً متعارفاً عليه، فإن أية محاولة للإصلاح ستكون منكراً مستنكراً.
حين يعتاد المرء على الجرب، فإنه يستسهل الحك على العلاج.
يقول ابن القيم: إذا مشى المرء على الوحل، فإنه يشمر ثيابه، ويمشي بحذر، خوفاً من أن تلامس ثيابه قطرة منه.. لكنه إذا سقط في الوحل فلن تشغل باله تلك القطرات.
المختار الجديد ليس بدعاً من الأمر، وتمكينه من رزق الأيتام ليس جديداً، وحتى لو استعان بمارد المصباح لنقل السفارة الليبية برمتها من الكويت إلى حدائق الترفاس، فلن يكون حدثاً استثائياً.
لكن الجديد في الأمر، أن يخرج مختارنا الجديد كما هو، بعمامته، وبدون ربطة عنق، أو بدلة من أرقى الماركات، لأن الشعب الصامت لا يستحق أن تُدفع كل تلك التكاليف من أجل التحايل عليه.. ولا يستاهل الجهد المبذول في خداعه.
لأنه لن يُعارض، ولن يعترض، بل سيكتفي بالجلوس في بيته، ليمد عنه قبالة التلفاز، ويتفرج على المختار الجديد جداً جداً.. ثم يُقفل التلفاز، ويستلقي على ظهره، ويقول بعد تنهيدة عميقة:
الخيرة فيما اختاره الله!.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :