محمد الطيب
إن كل البشر يولدون وهم متساوون في الوجدان والكرامة والحقوق «نص من المادة الأولى في وثيقة حقوق الإنسان»، ألا يبدو أن هذه الفرضية تختزلُ مفهوم المساواة وتقصي أهم جزء فيه وهو المساواة في مكان الميلاد، المساواة في الجغرافيا، ما يضمن بدوره أيضًا مساواةً في الظلم والقهر.
فإذا كانت فرضية أن الناس متساوون منذ الولادة صحيحة بالتمام والكمال، إذا لماذا هؤلاء الذين يولدون في غير أفريقيا وغير ما جوارها من أشباهها لا يتطلعون للهرب من بلدانهم كما يتطلع الأفارقة وأشباههم. فأيامنا لا تقول إلا أن الناس ليسوا بمتساوين، ما عدا في النصوص والكتب وفي المواثيق التي لم تفصّل جيدًا من هو الإنسان الذي يقصد بكلمة الإنسان، لأن هنالك أكثر من نوع للإنسان، فهنالك الإنسان الأفريقي وأشباهه من الآسيويين، وهنالك الإنسان العادي في أوروبا وأمريكا وفي آسيا الباردة، وإن كان يُقصد بالإنسان كلّهُم، فكلّهُم في أي نوع، هل كل الذين خارج أفريقيا وما جاورها؟ أم كل الذين خارج عهدة الأفارقة وجيرانهم؟. فهؤلاء هناك، هم أفارقة ليبيون من بني تارقا «التوارق» يكافحون في التيّه عن الوطن منذ نصف قرن، كفاح تيّه عن الحقوق، وتيّه عن المساواة، إنه ليس كتيه بني إسرائيل عقاب إلهيٌ، بقدر ما هو عقابٌ أسريٌ عائلي، من الصحراء أمّهم التي عقوها و ظلموها بالغياب وعدم الترحال فيها، فكأنما عاقبتهم هذه الأم بأن رمتهم في التيّه 50 عامًا دون «جنسية»، أملًا منها في أن تسترد أبناءها، إلى صحرائهم، إنها قد تبدو محاباة وامتيازًا امتاز به هؤلاء عن الأفارقة الآخرين، لأنه لو فطنتم فهم لم يعودوا ينتمون إلى الأسرة الأفريقية، مع ذلك جميعنا في أفريقيا نفهم فيما بيننا أن الناس أساسًا في مصانع ومعامل الإدارات والتعامل في الأماكن هم مختلفون في الحقوق، ولا يحصلون على الأقل على ظلم وقهر متساو!
فما الذي يجعل من هذا الإنسان الأفريقي هو وزملاؤه يتفردون هكذا بحق عدم المساواة والإقصاء؟ حتى غدا بهم الحال مختلفين عن الإنسان العادي بشكل جذري، هل السبب هو أننا فقط أبعد ما نكون في النظر في حال الإنسان وفهمه وقياس ما يشعر به في حال الإقصاء والتمييز؟. رغم أن الفيلسوف ابن خلدون قد عاش في القرن الثامن هجري إلا أنه أوضح أمرًا محزنًا عن مجمل أسباب تيه وتتويه حقوق شعب التوارق اليوم، فيذكر في مقدمته في مسألة الطعن في نسب إدريس مؤسسة الدولة الإدريسية، مشيرًا إلى الأسباب التي دعت إلى ذلك الطعن والإلباس من هؤلاء، فيشير إلى حقيقة قد آسفتنا جميعًا، فيقول إن كل هؤلاء الطاعنين في نسب بني إدريس، سواء من مُنتمٍ أو دخيلٍ في أهل البيت، هم ليسوا إلا هؤلاء الذين لم يحصلوا على ما حصل عليه نسب بني إدريس من آثار عظيمة، رسمت على مآذن المساجد والسيوف وما كان أيضًا لبني إدريس من الصيت والملك الجليل، فيشير بشكل أدق ويقول إن كل من رأى في نفسه من هؤلاء أنه في منعزل عن أن يحظى بما حظي به نسب بني إدريس تمنى لو يردّهم عن شرفهم حسدًا، كما أوضح وفصل في هذه المسألة أكثر في الفصل الأول في مقدمته الشهيرة. إن هؤلاء المراوغون أيضًا، في داخل السلطة وفي إدارات الدولة الليبية، من الذين وقفوا في سبيل تتويه هذا الشعب وتتويه كل القرارات التي تصدر في حق أولئك التوارق نصف المواطنين في ليبيا طيلة عمر «السجل المؤقت المدني 1970م» معللين ومتذرعين بضرورة إعادة التمحيص والتدقيق والمراجعة مع كل قرار إلباسًا في الأصل أو طعنًا فيه، هم ليسوا باستثناء عن الوصف الذي أوضحه ابن خلدون.
فما كان لبني إدريس ممّا حُسدوا عليه من آثار وصيت وأصالة في النسب، كان للتوارق أيضًا ما يقابله من آثار عظيمة في كل ربوع ليبيا، آثار خُطّت على الجبال والمقابر والمباني بخطٍ تارقي بـ«التيفيناغ» أبجديتهم التي لا يجادلهم في أمرها أحدٌ، وما كان لبني إدريس من صيت جليل أيضًا كان للتوارق مثله بما عرفوا به من نبل ووطنية ونخوة لا ينافسهم فيها إلا قليلون، وما كان لبني إدريس من نسب شريف أيضًا يقابله ما للتوارق من أصالة ليبية عمرها يتجاوز عمر كل ما أرخه المؤرخون من كتب، فهؤلاء الكذبة المعرقلون لحقوق شعب التوارق والتي لا يزايد عليهم فيها أحد، هم ليسوا سوى الحسدة مِمَن رأى في نفسه أنه في منعزل عن أن يحظى بما حظي به التوارق من آثار عظيمة وصيت وأصل جليل.
وكما أننا أساسًا في كل أفريقيا، وكأفارقة ندرك أننا من نوع مختلف عن نوع الإنسان الذي صيغت من أجله المواثيق الدولية أو حتى نوع الإنسان الذي عنيَ بالنصوص الدينية في الحقوق، اللهم إلا تلك النصوص والدساتير التي تعاقب على «مثقال ذرة شرًا يره»، أو التي تنص على القتال دفاعًا عن الأوطان.