مختار الورغمي
لفني الجبل وريحانة وقطار الشهر الاخير يطلق صافرة النهاية.ظلام الليل يحول بيني وبينها فبانت لي كنخلة منسية في صحراء تهامة. تعجز العين أحيانا عن تبين ملامح الاشياء وتفاصيلها أما القلب فلا يعرف العمى طريقا اليه اذا كان عامرا بالحب. بيني وبينها مسافة حب ،أحتاج فقط قبلة واحدة للوصول اليها. كنت حافي القلب ورمضاء غرامها كالسعير بها اكتويت وقد طال الطريق. همهمت بما يشبه غناء الروح .لريحانة صوت يشبه حفيف أوراق الشجر حين تغازلها نسمات الفجر. كنت على عجل فما أضعت وقتا في فهم تراتيلها وهمهماتها. هبت ريح الشمال وحملت معها عطرا أسكرني وانا التائه بلا بوصلة. أحتاج قبسا من نور كي أتبين مطبات الطريق فسقوط العشاق انتحار. شهر كانون الاول عدو القمر فمن يعيرني قمرا ينير سبيلي. هممت بالتراجع خوفا فالعيش على أمل لقياها أهون من دروب قد تكون بلا نهاية.كدت أرفع رايتي البيضاء منسحبا فبعض المعارك خسرانها شرف اذ وصلني ما يشبه قرع الطبول في أفراح البوادي. حاولت تتبع الصوت وحين اقتربت كانت موجة حر تلفحني على غير العادة فأيام كانون الاول عرفت بقرها الدائم.لم أتوقف الا حين لمع برق خاطف كاد يسقطني أرضا فقد هزت الريح جدائلها لتكشف خدها الذي خلته برقا قادما من بعيد. كانت اللحظة كافية لأكون قبالتها فصوت قلبها كان الدليل وها قد وصلت.وقفنا كصنم من عصور غابرة. ضاعت اللغة وتاهت الكلمات . نحتاج كل اللغات لنخلد لحظة العمر لكن خرسا أصابنا . لا أعرف كيف امتدت يدي تلامس خدها.كيف تخلصت من عقدة التفاحة ومرت أصابعي على شفتيها تتلمس آثار سنوات الجدب.وجدت أرضا قد تشققت فصارت بورا كاد يندثر.حملت وزر البعد والشوق وكسرت الحاجز ليكون لقائي بشفتي ريحانة بعد صبر فاق صبر أيوب.كنت كمن يعب ماء البحر كلما شرب ازداد عطشا واستحالت شفتاها عبابا لا ينضب.هطل السيل في لحظة فقد كنت غيمتها الماطرة . أزهر النهد واستعاد نضارته. رقصت ريحانة على أنغام العشق . كانت عاصفة هوجاء وهي تراقص حبات المطر وقد اختلطت تناهيدها بهمهمات الريح. ظلت على هذه الحال زمنا وكنت امسك يدها برفق رغم ثورتها. حين انتصف الليل كانت تستحيل نسيما عليلا وترتمي في أحضاني لتنخرط في نوبة بكاء شديد وكأنها تغسل ذنوب سنوات الغياب…..
مقهى افريكانا 15 /4/ 2024