” جاكم ترامب يا عرب هوه…!”

” جاكم ترامب يا عرب هوه…!”

بقلم :: محمد جمعة البلعزي

” يمكن للإنسان أن يتحمل المصائب العرضية التي تأتيه من الخارج، لكن أن يعاني من مصائب أخطائه فذاك هو كابوس الحياة….”. أوسكار وايلد

عنوان مقالتي هذه اقتبسته من أحد مشاهد فيلم ” عمر المختار، أسد الصحراء”، شد انتباهي، حيث تظهر قوة عسكرية من جحافل الطليان وهي تتأهب لغزو نجع من نجوع البادية الليبية الهادئة بحثاً عن المجاهدين، فيصرخ أحد سكان النجع محذراً: “جاكم الطليان يا عرب هوه…”، وهو يعني بكلمة عرب سكان ذلك النجع وليس غيرهم ويحثهم على حماية أنفسهم.

واليوم، لا يأتي الطليان فحسب لغزو نجوع الليبيين، وإنما الغرب الذي لحق به الروس، بأساطيله وقواته ودبلوماسيته المتعجرفة وممارساته الجهنمية، الظاهرة والباطنة، ليحول ارض العرب، بَوادٍ وحواضر، إلى أرض معارك لحرب عالمية ثالثة بكل معنى الكلمة، مفوض أمر تغطية نفقاتها المادية للعرب أنفسهم، الذين يحاربون بالوكالة. نفس الغرب الذي فتحنا أعيننا وترعرعنا في هذه الدنيا ونحن نلوك يومياً تسميته بالاستعمار، ونتهمه بأنه سبب تخلف وتقسيم بلاد العربان، ولم نتخلص من تلك التسمية، التي صدقناها كثيراً، إلا من أمد قريب. قاومه أجدادنا بكل السبل وبما أوتوا من قوة في وقت كانوا فيه قليلو الحيلة والتدبير والخبرة على الحرب وبأسلحة صدأة، لكنهم أقوياء في العزيمة أشداء على الأجنبي.

في الزمن الغابر، كان المستعمرون يتبعون نهج الغزو والاحتلال والاستيطان كي يسيطرون على شعب عربي ما، ليستثمرو أرضه ويمتصوا خيراته. نذّكر بما فعله البريطانيون والفرنسيون والإيطاليون، والاسبان نوعاُ ما. كانوا ينفقون على ذلك النهج الأموال الطائلة التي تلحق في العديد من الأحيان الضرر الكبير باقتصاداتهم. وقبل أن يغادروا يتركون ذلك الشعب يتخبط وسط التخلف والأمراض والخلافات العرقية والقبلية، بل وينصبون عليه حكاماُ ويجبرونهم على التبعية العمياء لهم والانصياع لأوامرهم وإملاءاتهم.

كان ذلك في عهد مضى، أما في وقتنا الحاضر أصبح الاستعمار الجديد يدمر بلاد العرب بالوكالة بدون تمييز، فبعد أن خطط لتقسيمها قبل قرن من الزمان إلى أحجار على طاولة شطرنج يتلاعب بها ليعيد أمجاده على أكتاف العرب، لا نجد هؤلاء يتصدون له ولا يقاومونه دفاعاً عن الأرض التي شهدت ولادتهم، وإنما تحولوا إلى معاول يستخدمها المستعمر الجديد ليدمر بها ما على الأرض من حي وجماد، بل ووقفوا إلى جانبه وساندوه في دمار بلادهم، وقد سموا ما يجري ربيعاً، لكنه ربيع بلا اخضرار أو ورود، بل خريف عربي جلب معه الموت والدمار والخطف والاغتصاب والنهب، سنة وراء سنة، منذ ما يزيد عن نصف عقد.

يظن المتحاربون على المال والسلطة أنهم سيحققون مآربهم غير آبهين بما يتربص بهم في قريب الأيام، فها هو رئيس أمريكا الجديد، دونالد ترامب، زعيم الفاشية الجديدة، يخرج على الملأ ليعلن أنه سيسحق كل من يعارض رأيه، وقبل أن يتولى السلطة فعلياً بدأت الفوضى العالمية تطفو على السطح، وأخذ يوجه لكماته اللفظية وتصريحاته النارية الخطيرة إلى دول وشعوب العالم، دونما وجل. ها هو يفرض إملاءاته على جارته المكسيك ليلزمها بدفع فاتورة جدار عنصري يريد بناءه لفصل المكسيك عن أمريكا. وها هو يهدد الصين، التي بدأت تتحول نحو النظام الرأسمالي وتتخلى عن الشيوعية (من هنا مشاركة رئيس وزرائها لأول مرة بمنتدى دافوس الرأسمالي)، ويوجه اللوم اللاذع للمستشارة الألمانية، ميركل، لكونها فتحت أبواب بلادها أمام اللاجئين الفارين من الحرب، ويسخر من حلف الناتو، الذي بات يعتبره أثراً من آثار الماضي السحيق، ضارباً عرض الحائط بمواقف وقرارات وآراء حلفاء أمريكا الذين، حتى قبل أن يحط ترامب رحاله في صحن البيت الأبيض، أصبحوا يعضون على أصابعهم حسرة وندماً على أيام خلت كان فيها التفاهم والانسجام والتنسيق بين دول الغرب قائماً على قدم وساق، مكنها من الهيمنة على غرب الكرة الأرضية وشرقها، جنوبها وشمالها. ها هو ترامب يهدد العرب بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس الشرقية، نكاية بهم وبقضيتهم الأم. ثم ها هو يهدد أوروبا الموحدة، ويدعم خروج بريطانيا منها، …..الخ.

الفوضى العارمة التي تسبق وصول العاصفة ترامب، ستزيد من حدة الفوضى “الخلاقة” (!!!؟) الشعار المزيف الذي رفعوه، وصدقناه، إبان الفترة الأولى لرئاسة أوباما لتدمير أرض العرب. ستعم الفوضى ويختل توازن العالم. ولا يسعني هنا إلا أن أردد مع الفيلسوف الألماني الكبير غوتة قوله: “أفضّل اقتراف الظلم على أن أتحمل الفوضى”، فقد استطاع ترامب الجمع بين الكارثتين، الظلم والفوضى، وكدليل نرى الظلم وقد بدأ يظهر على الضرر الذي لحق بالاقتصاد المكسيكي المترهل أصلاً، أما الفوضى فتقوم على إجبار كبرى المصانع الأمريكية العاملة في الخارج على العودة إلى بلادها، وخاصة في مجال السيارات. يحدث كل هذا قبل أن ينصًب ترامب رئيساً، فكيف سيكون الحال بعد أن يصبح أقوى رجل في العالم.

لا أبالغ إذا قلت إن العالم يتجه بالترامبوية الجديدة نحو الفاشية بكل معانيها، وربما قضت هذه الفاشية على النظام الديمقراطي القائم في الغرب وزعزعت أسس مفهومه الرأسمالي، لتحل محلها الديماغوجية والسفسطة، ويتحول العالم إلى غابة ترتع فيها الوحوش الكاسرة التي تبتلع الضعيف وتدوس عليه ولا تعتبر له وجوداً. فإدارة ترامب تضم عناصر معروفين بمقتهم لكل من وما ينتمي للعالم الثالث، وكرههم العلني لكل ما يعني إسلاماً ومسلمين، بدءاُ من رئيسهم طبعاً، وهو الذي نادى بسد الطريق في وجه المسلمين الوافدين على أمريكا، بل وطرد المقيمين بها.إذ نجد وزير دفاعه جيمس ماتيس، شخص متطرف ملقب بالكلب المسعور (Mat Dog)، ثم النائب العام، جيف سيسيون، الذي أعلن توبته عما اقترفته يداه من تعذيب متورط به وهو يتنصل من انتمائه لعصابة الـ “كلو كلوس كلان” العنصرية، ثم وزير خارجيته، ريكستيلرسون، إمبراطور النفط، وهو يتستر على تورطه مع موسكو في صفقات مالية مشبوهة رغم علم الكل في أمريكا بأن الرئيس الروسي حليفه.

هذه هي إدارة أمريكا الجديدة يا عرب، بكل مساويها وما ستجلبه عليكم من خراب، فهل تتوقعون أنها ستحل أزماتكم الداخلية. ربما كان ذلك، لكن بمزيد من القوة والدمار والمآسي والكوارث، وستحيل أرضكم إلى ميادين رماية حربية لتجرب أسلحتها وتدرب جنودها، وستتخذ منكم تماثيل حية تصوب عليها.

يجمع الكثير من المراقبين والمحللين، على أن الشر بدأ يظهر وإن من يدعو إلى التمهل وانتظار ما ستنبئ عنه الأيام عقب تولي ترامب الرئاسة، إنما يعيش في أوهام. حينها سيبدأ حقاُ “الربيع العربي الترامبوي”، الذي يحمل أشواكاُ بدون ورود واخضراراً مصطنعاً، وفي هذا الخضم المتلاطم، ستًسحق شعوباً كانت آمنة وتختفي بلداناً كانت مسالمة، ومن بينها، إن لم يكن في المقدمة، الشعب الليبي وبلاده المتشظية، لا ذنب له سوى أن الله حباه بخيرات في جوف أرضه هي موضع للطامعين، من أصيليين وغرباء، وحينها ستطحنكم أيها الليبيون المتحاربون رحى الظلم والفوضى إذا لم تتداركوا أنفسكم سريعاً قبل أن يجرفكم سيل جنونكم وأنانيتكمإلى أسوأ ما أنتم فيه.

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :